الأماكن

ميناء الأميّة

محمد علي آقاميرزائي
7 دورہ

كان ميناء الأميّة واحداً من أهمّ مرافئ تصدير النفط العراقي قبل اندلاع الحرب المفروضة على إيران. و قد ألحقَت القوات العسكريّة الإيرانيّة أضراراً جسيمة بالميناء سنة 1980 (1359 هـ.ش)، ثم تمكنت لاحقاً من السيطرة عليه في عملية كربلاء 3 في سبتمبر 1986 (شهریور 1365 هـ.ش).

يقع ميناء الأميّة في العراق، في أقصى شمال الخليج الفارسی، جنوب شرقي «رأس البيشة» و على بُعد نحو 11 كيلومتراً عن ميناء «البكر». و كان العراق قبل الحرب على إيران يصدّر الجزء الأكبر من نفطه عبر هذا الميناء، كما كان في أثناء الحرب يشكّل موقع حماية و تغطية لزوارق البحرية العراقيّة. و قد نفّذت إيران عدّة عمليات عسكرية لتدميره، أبرزها عملية مرواريد في ديسمبر 1980 (آذر 1359 هـ.ش)، و عملية كربلاء 3 في سبتمبر 1986 (شهریور 1365 هـ.ش).

يحدّ الميناء من الجهة الشماليّة ساحل إيران، و من جهته الغربية شبه جزيرة «الفاو»، و«خور عبد الله»، و جزيرة «بوبيان». و تبلغ المسافة بين هذه النقاط الثلاث و بين موقع نهر «القاسمية» في إيران نحو 30 كيلومتراً. و يقع الميناء في نقطة التقاء مياه نهرَي «أروندرود» و «خورعبد الله» بالخليج الفارسي. أمّا عمق المياه المحيطة به فيبلغ 32 متراً في حالة المدّ، و بين 30–31 متراً في حالة الجَزر.

شُيِّد ميناء الأميّة بالقرب من «أروندرود»، و هو يضمّ أربعة أرصفة تحميل قادرة على استقبال ناقلات نفط تصل حمولتها إلى 500 ألف طن. و يبلغ طول الرصيف النفطي نحو 961 متراً، فيما يصل العرض الأكبر للبناء عند مركز التحكّم إلى نحو 105 أمتار، و يقلّ إلى 1.5 متر في الممرّات. أمّا ارتفاع الميناء عن سطح الماء فيبلغ 9–10 أمتار في حالة الجَزر و5–6 أمتار في حالة المدّ الكامل.[1]

قبل اندلاع الحرب، كان هذا الميناء من أهمّ مراكز تصدير النفط العراقي. و نظراً لموقعه الجغرافي الخاص و عمق مياهه، كان يُصدّر ثلث صادرات العراق النفطية عبر هذا الممر البحري. و كانت السفن العملاقة ذات الحمولة التي تتجاوز 300 ألف طن تقوم بعمليات التحميل في هذا الميناء. و إضافة إلى ذلك، و بسبب وقوعه على الطريق المؤدّي إلى «أمّ قصر» و ميناء «البصرة»، كانت السفن التجارية العراقية ترسو إلى جواره، ثم تتوجّه، عند حلول موعد التفريغ أو التحميل، إلى الميناءين المذكورين.[2]   

و بصرف النظر عن الخصائص الاقتصادية للميناء، فقد كانت له أيضاً أهمية تكتيكية بارزة. فالعراق، من خلال تحويل هذا الميناء و ميناء «البكر» إلى قاعدتين بحريتين عسكريتين مجهزتين في شمال مياه الخليج الفارسي، كان يسعى إلى تحقيق تفوّق بحري لصالحه. و بما أنّ موقع العراق في منطقة بحرية تخلو من العوارض الطبيعية و الصناعية، فإنّ ذلك كان يؤثّر على تكتيكاته؛ إذ إنّ انعدام العوارض في المنطقة، و لاسيما عند صفاء الجو، كان يمنح مدى رؤية واسعاً للرادارات و يزيد من فعالية الرمي لقواته.

و بهذه الظروف، كان مدى كشف الرادار لتحركات الزوارق الإيرانية يزداد بشكل ملحوظ، ما يمنح العراق القدرة على التحرّك السريع ضد أيّ تحرّك مريب. كما أنّ حرّية العمل في الإسناد الجوي للميناءين تُعدّ من الامتيازات المهمّة للعراق، إذ كانت تؤمّن له الحماية من مدى نيران القوات الإيرانية في السواحل الشمالية للخليج الفارسي. و إضافة إلى ذلك، فإنّ الاستفادة من المياه الساحلية للكويت كانت تمنح الزوارق و الطائرات العراقية قدرة مناورة أفضل لتأمين الغطاء العسكري للمرافئ.[3]

كان العراق، قبل اندلاع الحرب، و نظراً للأهمية الحيوية لهذين الرصيفين لاقتصاده، يقوم بحمايتهما بواسطة الزوارق الحربية و الدوريات البحرية. و مع بدء الحرب المفروضة، استخدم العراق الرادارات القوية المنتشرة على هذه الأرصفة لمهاجمة الأهداف البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، و لبثّ حالة من عدم الأمن في حركة الملاحة التجارية؛ بحيث أصبحت معظم التحركات البحرية الإيرانية في شمال الخليج الفارسی و موانئ الجمهورية الإسلامية تحت مراقبة هذه المنظومات.

و مع بداية الحرب، قام العراق بنشر عدد كبير من منظومات المدفعية المضادّة للطائرات لحماية هذه الأرصفة.[4] و على الرغم من كثرة العوائق، فإنّ السيطرة على هذه المنصّات كانت ذات أهمية استراتيجية بالغة لإيران، إذ كانت تؤدّي إلى تفوق إيراني محتمل في مياه الخليج الفارسي.[5]

و منذ الأيام الأولى للحرب، كان مهاجمة هذه الأرصفة هدفاً مهماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية. فبعد عمليتَي «أشكان» في 1 نوفمبر 1980م (10 آبان 1359هـ.ش) و «الشهيد صفري» في 4 نوفمبر 1980م (13 آبان 1359هـ.ش)، اللتين لم تُحققا النتيجة المطلوبة المتمثّلة في التدمير الكامل للأرصفة، تمكّنت القوات البحرية و الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية من تدمير الرصيفين بشكل كامل في عملية مرواريد في ديسمبر 1980م (آذر 1359هـ.ش)  و ألحقت بالعراق خسائر فادحة.[6]

و بعد ذلك، أعاد العراق إعمار هذين الميناءين النفطيين، و حوّلهما من خلال تعزيز القوات و المعدّات العسكرية إلى حصن بحري متين للسيطرة على مياه الخليج الفارسي و«اروند رود»، و لإعاقة تحركات المقاتلين الإيرانيين. و مع تزايد تعزيز العراق لهذه المواقع و ازدياد خطورتها على إيران، ارتفعت حساسية القادة العسكريين الإيرانيين و دوافعهم لتدميرها، فأصبحت هذه المناطق أكثر فأكثرهدفًا للنيران المتفرقة التي كان يطلقها الإيرانيون.

و في خريف 1983م (1362هـ.ش)، تقرّر أن يُنفَّذ تزامناً مع عملية خيبر، مناورة تمويهية ضمن إطار خطة عملية كربلاء 3؛ إلا أنّ هذه العملية لم تُنفَّذ بسبب حداثة تشكيل القوات البحرية للحرس الثوري آنذاك، إضافة إلى عدم التنسيق بين سائر القوى العسكرية.[7]

بعد انتصار مقاتلي إيران في عملية «والفجر» 8 و تحرير شبه جزيرة «الفاو» الإستراتيجية، ازدادت جهود العراق للحفاظ على رصيفي الأمية و البكر. فبسبب وقوع الزوارق و القطع البحرية التابعة للبحرية العراقية تحت نيران القوات الإيرانية، انخفضت حركتها، و فقدت البحرية العراقية جانباً كبيراً من كفاءتها و قدراتها. ولكن، من جهة أخرى، و لأن الرصيفين ما زالا بيد العراقيين، فقد كانوا من خلال الرادارات القوية يسيطرون على حركة الملاحة التجارية و العسكرية في الجزء الأكبر من منطقة الخليج الفارسی. لذلك بقيت مسألة السيطرة على هذين الموقعين هدفاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.[8]

في 11 جولای 1986م (20 تیر 1365ه.ش) حاولت القوات البحرية للجيش الإيراني السيطرة على رصيف الأمية. كان مقرراً أن تهاجم هذه القوة الرصيفَ بدعم من القوة الجوية، و بمشاركة ثمانية زوارق قتالية تحمل المغاوير. لكن قوات الجيش لم تستطع الاقتراب من الرصيف، و فشل هذا المخطط.

و بعد أن وسّع العراق نطاق حرب ناقلات النفط، قرّر حرس الثورة الإسلامية أن يقوم بخطوة أساسية لحرمان العراق من منشآت البكر و الأمية النفطية.[9]

و بعد تثبيت القرار و إطلاق اسم عملية كربلاء 3 عليها، كلّف «محسن رضائي» القائد العام لحرس الثورة الإسلامية، مقر «نوح» البحري بتنفيذ العملية. و بناءً على طلب «حسين علائي» قائد القوة البحرية للحرس، أُوكلت مهمة تنفيذ العملية إلى «حسين خرازي» قائد فرقة الإمام الحسين عليه السلام (الفرقة 14). و كانت هذه الفرقة هي القوة الرئيسية للعملية، و إلى جانبها لواءا «كوثر» و أمير المؤمنين عليه السلام، فشرعوا بالتحضيرات للعملية.[10]

و منذ بداية جولای 1986م (مرداد 1365ه.ش) بدأت هذه الفرقة بإجراء عمليات الاستطلاع للمنطقة العملياتية، و تجهيز المقر التكتيكي، و نقل المعدات إلى المنطقة، و إنشاء الطريق و الرصيف، و إقامة مواقع المدفعية، و تجهيز ملجأ القيادة، حتى اكتملت هذه الإجراءات في 30 أغسطس 1986م (8 شهریور 1365ه.ش).[11]

بدأت العملية في 2 سبتمبر 1986م (11 شهریور 1365ه.ش) عند الساعة 1:30 فجراً، و ذلك تحت رمز«حسبنا الله ونعم الوكيل». و قد تمكنت القوة البحرية للحرس الثوري، بمساندة 120 غواصاً من فرقة الإمام الحسين عليه السلام، من شنّ هجومٍ على رصيف الأمية و السيطرة عليه وفق الخطة. قام المقاتلون بجمع المعدات العسكرية العراقية من الرصيف، و إخلاء المنشأة النفطية ثم عادوا إلى مواقعهم. و فيما بعد، قام الحرس الثوري أيضاً بتلغيم الممر المائي «خور عبدالله».

و بالتزامن مع السيطرة على رصيف الأمية، نُفِّذت عملية أخرى باسم «نار الرحمة» حيث أُضرِمت النار في رصيف «البكر» بعد ضخ النفط من خزانات الفاو. و  كان مصمّم هذه العملية و منفذها «جمشيد سرداري» أحد أعضاء مقر نوح. و قد نُفِّذت مجموع العمليتين تحت اسم عملية كربلاء 3 بهدف تقليل قدرة العراقيين على التحكم بمنطقة شمال الخليج الفارسي، و التصدي لهجمات الجيش العراقي على ناقلات النفط و السفن التجارية.

في هذه العملية، لم تشارك القوة الجوية و لا البحرية التابعة للجيش الإيراني. و نظراً لعدم وجود غطاء جوي في المنطقة، تمكنت الطائرات العراقية بسهولة من الاقتراب من رصيف الأمية و قصفه.[12]

بعد انتهاء العملية، واصلت القوات الدورية ـ القتالية وجودها في منطقة نهر أروندرود، و قد قامت، إلى جانب تأمين مصبّ أروندرود، بتغطية السواحل الشمالية للخليج الفارسي عند مصبّ النهر أيضًا. تمّ تكليف مقرّ نوح بإنشاء قاعدة دائمة في البوَيّة رقم 8، كما تقرّر أن تتواجد القوّات البحريّة التابعة للحرس الثوري الإيراني في شمال و جنوب مصبّ الفاو.[13]

نُفِّذت عملية كربلاء في الوقت الذي كان فيه آية الله السيد علي خامنئي، رئيس الجمهورية آنذاك، يحضر قمة دول حركة عدم الانحياز في «زيمبابوي» و بعد عودته، و في لقائه مع «حسين علائي» قائد القوة البحرية للحرس الثوري، تحدث عن الأثر الإيجابي لهذه العملية على القمة المذكورة، و كذلك عن تعزيز مكانة و اعتبار إيران فيها نتيجة السيطرة على رصيف الأمية.[14]


[1] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبرد العمیه (معركة العمّية)، طهران، حرس الثورة الإسلامية الإيراني، مركز الدراسات و البحوث للحرب، 1996، ص 21.

[2] . جنگ در سال 65: کارنامه یک‌ساله سپاه (الحرب في عام 1986: التقرير السنوي لحرس الثورة الإسلامية)، طهران، حرس الثورة الإسلامية الإيراني، مركز الدراسات والبحوث للحرب، 1988، ص 146.

[3] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبرد العمیه، ص 24.

[4] . المصدر نفسه، ص 31.

[5] . جنگ در سال 65: کارنامه یک‌ساله سپاه (الحرب في عام 1986: التقرير السنوي لحرس الثورة الإسلامية)، المصدر نفسه، ص 147.

[6] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبرد العمیه (معركة العمّية)، ص 31؛ طاهری، شهاب‌الدین، معصومی، سیدامیر، مروارید: روایتی از حماسه ناوچه پیکان (لؤلؤة: سردة عن ملحمة سفينة پيكان)، طهران، مساعدية التوجيه المعنوي و العلاقات العامّة لمنظّمة العقيدة و السياسة التابعة لجيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، المكتب السياسي.، أرشيف تاريخ الحرب، 1994، ص 70–71.

[7] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبرد العمیه، ص 31.

[8] . المصدر نفسه، ص 32–33.

[9] . علایی، حسین، تاریخ تحلیلی جنگ ایران و عراق (التاريخ التحليلي لحرب إيران والعراق)، ج 2، طهران، مرز و بوم (الوطن والأرض)، 2016، ص 255–256.

[10] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبرد العمیه، ص 41–44.

[11] . المصدر نفسه، ص 44–45.

[12] . علایی، حسین، تاریخ تحلیلی جنگ ایران و عراق (التاريخ التحليلي لحرب إيران والعراق)، ج 2، ص 256–257؛ سمیعی، علی، کارنامه توصیفی عملیات‌های رزمندگان اسلام در طول هشت سال دفاع مقدس (السجل الوصفي لعمليات مقاتلي الإسلام خلال ثمان سنوات الدفاع المقدس)، طهران، ممثلیة ولی الفقیه في القوّات البرّیة، مساعدیة التبلیغات والنشرات، إدراة النشر، 1997، ص 258.

[13] . اسحاقی، سیدمحمد، نخعی، هادی، نبردالعملیة ، ص 23 و 194. توضیح: البویه هو جسم عائم على الماء، يُثبت بواسطة مرساة، ويُركب فوقه منارة. تساعد السفن و غيرها من العوّامات على تجنب المناطق الضحلة و العثور على المسار الصحيح لدخول الميناء أو العبور في البحر.

[14] . علایی، حسین، تاریخ تحلیلی جنگ ایران و عراق (التاريخ التحليلي لحرب إيران والعراق)، ص 257.