جزيرة مجنون

بقلم: مرضیه عابدینی نقله الی العربیة: سید محمود عربی
2 بازدید

تُعدّ جزيرة مجنون إحدى المناطق النفطية الهامة في جنوب العراق. كان احتلال جزيرتي مجنون الشمالية والجنوبية من قبل إيران من أهداف عملية خيبر، بينما كانت حمايتهما هدفًا لعملية بدر.

تتكون جزر مجنون من جزأين، شمالي وجنوبي، بمساحة إجمالية تبلغ 200 كيلومتر مربع.[1] كلتا الجزيرتين لهما شكل خماسي تقريبًا.[2] الجزء الشمالي من الجزيرة هو خط الملاحة البحرية، بينما الجزء الجنوبي هو الخط البري.[3] تقع جزيرة مجنون الشمالية على بعد 15 كيلومترًا من بلدة القرنة العراقية، ويمر الطريق السريع البصرة-العمّارة، الذي يُعدّ أحد الممرات الحيوية في العراق، من غربها. تقع مدينة الحويزة الإيرانية في الشمال الشرقي لجزيرة مجنون الشمالية، ويمرّ الحدود الإيرانية عبر مياه هور الحويزة. في المنطقة الغربية، يجري نهر دجلة. وتقع بلدة القرنة في جنوبها، وبلدة العُزير في شمالها.[4] أما أقصى نقطة غربية في جزيرة مجنون الشمالية، فتبعد حوالي 12 كيلومترًا عن الحدود الدولية بين إيران والعراق، وتقع في الشمال الشرقي من نهر زروان العراقي، وهي أصغر من جزيرة مجنون الجنوبية.[5]

تأخذ جزيرة مجنون الجنوبية شكل حدوة حصان، وتحيط بها المياه من جميع الجهات، بما في ذلك القنوات والأنهار، بالإضافة إلى نباتات القصب.[6] تبعد أقصى نقطة غربية من الجزيرة الجنوبية عن الحدود الدولية مسافة 10 كيلومترات، وأقرب نقطة لها على الأراضي الإيرانية هي منطقة طلائية. وتقع هذه الجزيرة في الجهة الشرقية من بلدة القرنة العراقية.[7] ذلك، توجد في محيط جزيرة مجنون الجنوبية العراقية حوالي 50 قرية، جميعها مأهولة بسكان محليين غير عسكريين.[8]

الجزيرة مغطاة بالنباتات المستنقعية، خاصة القصب، مما يوفر بيئة مناسبة لتكاثر البعوض، وهذا ما يجعل الظروف المعيشية صعبة على الإنسان. تُعدّ هذه الجزيرة ملاذًا لحيوانات مثل طائر الصياد، والبط، والأوز البري، والفئران، والثعابين، والكلاب، والخنازير البرية.[9]

تحتوي كلتا الجزيرتين على احتياطيات نفطية.[10] كما تضمّ الجزيرة منشآت أخرى مثل أبراج الكهرباء، وأبراج تقوية الإذاعة والتلفزيون، ومصانع الورق.[11] وتستخدم العراق طريق العُزير - جزيرة مجنون لنقل الشحنات النفطية من الجزيرة. هذا الطريق، الذي يمر عبر محافظتي البصرة والعمارة، هو أحد الطرق التي أُنشئت في منطقة مستنقعات هور الحويزة.[12] قبل بدء الحرب العراقية المفروضة على إيران، كانت العراق بصدد إنشاء منشآت نفطية وتنفيذ مشاريع تنمية في هذه المنطقة، لكن مع بدء الحرب، توقفت هذه المشاريع.[13]

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بداية الحرب، اعتُبرت منطقة هور الحويزة خيارًا مناسبًا لتنفيذ عملية عسكرية. وبسبب غمر المنطقة بالمياه، كان العسكريون البعثيون يستبعدون احتمال هجوم المجاهدين الإيرانيين من هذه النقطة.[14]

تم تنفيذ عملية خيبر في 22 فبراير 1984 في منطقة هور الحويزة، وشارك فيها 250 كتيبة مقاتلة من مقر النجف التابع للحرس الثوري ومقر كربلاء التابع للجيش، بتوجيه من مقر خاتم الأنبياء التابع للجيش. تميزت هذه العملية بالعديد من الابتكارات والإبداعات، منها إنشاء طريق سيد الشهداء (ع) وجسور خيبر داخل منطقة الهور. كما وفرت هذه العملية خبرة في استخدام الطيران العمودي (هوانيروز)، وإمكانيات النقل البحري، والقدرة على تجاوز العوائق ومواجهة الهجمات الكيميائية للعدو. وعلى الرغم من أن السيطرة على جزر مجنون الغنية بالنفط في منطقة الهور كانت إنجازًا كبيرًا وقيمًا للقوات المسلحة الإيرانية، فإن القصف الكيميائي من قبل العدو حال دون تحقيق المجاهدين لأهدافهم المحددة بالكامل.

في عملية خيبر، ولأول مرة، قامت طيران الجيش (هوانيروز)، على الرغم من نقص الإمكانات اللازمة للتحليق الليلي، باستخدام أكثر من 82 مروحية لنقل 19 ألف مقاتل ليلاً إلى جزيرة مجنون. كما نقلت أكثر من 1700 طن من الإمدادات والمعدات والمدفعية والذخائر إلى المنطقة، وأخلت أكثر من 2000 جريح.[15] في هذه العملية، تم توجيه ضربة قاسية للعدو، وسيطر المجاهدون الإيرانيون على جزيرتي مجنون الشمالية والجنوبية، اللتين تمتلكان أكبر الاحتياطيات النفطية في العراق، ولم يتمكن العراق من استعادتهما.[16]

بعد انتصارات المجاهدين في عملية خيبر والسيطرة على جزيرتي مجنون الشمالية والجنوبية وتأمينهما، لجأ النظام البعثي إلى قصف هاتين الجزيرتين والوحدات الأخرى المتمركزة في المنطقة بالمدفعية والقنابل، كما قام بشن قصف كيميائي[17] واسع النطاق باستخدام غاز الخردل والأعصاب.[18] وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات اللاإنسانية من قبل النظام البعثي، أبدى المجاهدون الإيرانيون مقاومة بطولية، مما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من قادة الحرس الثوري في جزيرة مجنون الجنوبية. فقد استشهد نائب قائد فرقة 31 عاشوراء "حميد باكري" واعتُبر في عداد المفقودين، كما استشهد قائد فرقة 27 "محمد رسول الله" الحاج "إبراهيم همّت"،[19] بالإضافة إلى ذلك، بُترت يد قائد فرقة 14 "الإمام الحسين (ع)"، الحاج حسين خرازي.[20]

بعد أن تكبد الجيش العراقي هزائم متتالية، لجأ إلى القصف الجوي المكثف للمدن، والقصف الكيميائي المستمر في جزر مجنون، والهجمات الجوية على ناقلات النفط والقوافل التجارية البحرية الإيرانية في الخليج الفارسي.[21]

وبعد عملية خيبر، نفذ الجيش العراقي إجراءات واسعة ورادعة في غرب الهور وعلى ضفاف نهر دجلة. وشملت هذه الإجراءات إنشاء حوالي 50 سدًا ترابيًا وقناة وجداول ري عديدة، وبناء جسور طرق وموانع واسعة من الأسلاك الشائكة والألغام، ونشر قوات دفاعية في مواقع محصنة، وأخيرًا تشكيل قيادة مستقلة باسم القيادة الخاصة لشرق دجلة.[22]

بعد عام واحد، في 10 مارس 1985، شنّ المجاهدون الإيرانيون عملية بدر في منطقة هور الحويزة، شرق نهر دجلة. وكان من أهداف العملية إلحاق دمار واسع بقوات العدو، والسيطرة على منطقة الهور وتأمينها، والتحكم في طريق البصرة-العمّارة، بالإضافة إلى الردّ على هجمات العدو على المناطق السكنية الإيرانية.

بفضل جهود المجاهدين الإيرانيين، تم السيطرة على شرق دجلة، ومقر قيادة مخفر ترابة، وطريق الخندق بدعم من القوة الجوية والطيران العمودي (هوانيروز) التابع للجيش. كما قام المجاهدون الإيرانيون بتفجير جسر جويبر على نهر دجلة، مما أدى إلى تعطيل حركة العدو على طريق البصرة-العمّارة. تمكنت كتيبة المهدي التابعة للواء الهندسة 43 الإمام علي (ع) في الحرس الثوري من نصب جسر بطول 10 كيلومترات في جزيرة مجنون الجنوبية خلال 24 ساعة، وذلك تحت القصف الجوي ونيران المدفعية للعدو. وقد أتاح هذا الجسر للمقاتلين الاتصال بخطوط الدعم اللوجستي. ونتيجة لهذه العملية، تم أسر ثلاثة آلاف جندي من العدو، وتم تثبيت الموقف الإيراني في شرق دجلة.[23] ويُعتبر كل من مهدي باكري، قائد فرقة 31 عاشوراء، وعباس كريمي، قائد فرقة 27 محمد رسول الله في الحرس الثوري، من أبرز شهداء هذه العملية.[24]

وأخيرا، استعادت العراق جزر مجنون في 25 يونيو 1988، عبر تنفيذ عملية عسكرية.[25] وبعد أكثر من ثلاثين عامًا على انتهاء الحرب، لا تزال عمليات البحث عن جثامين الشهداء في هذه الجزر مستمرة من قبل لجنة البحث عن المفقودين التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية. وفيلم ملحمة مجنون، الذي أخرجه جمال شورجة عام 1994، يصور جزءًا من بسالة المقاتلين الإيرانيين في جزيرة مجنون[26]

 

[1] سميعي، علي،کارنامه توصیفی عملیات‌های هشت سال دفاع مقدس، طهران: معاونية النشر والدعاية لممثل الولي الفقيه في القوة البرية للحرس الثوري، 1376 هـ. ش.، ص 168.

[2] بورداراب، سعيد. “تقويم تاريخ دفاع مقدس (عملية خیبر)”، المجلد 43. طهران: منشورات مرکز وثائق الثورة الإسلامية، 1396 هـ. ش.، ص 264.

[3] محمدي، سهيلا. “جزيرة مجنون (ملحمة: 4/4/1367)”. دزفول: سهیلا محمدی، الطبعة الرابعة، 1395 هـ. ش.، ص 49.

[4] سميعي، علي. المصدر نفسه، ص 168.

[5] بورداراب، سعيد. المصدر نفسه، ص 264.

[6] محمدي، سهيلا. المصدر نفسه، ص 65.

[7] بورداراب، سعيد. المصدر نفسه، ص 264.

[8] سميعي، علي. المصدر نفسه، ص 168.

[9] محمدي، سهيلا. المصدر نفسه، ص 48.

[10] “عملية خیبر - تصرف جزایر مجنون (طراحی، اجرا، نتایج، بازتاب‌ها)، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ سپاه پاسداران انقلاب اسلامی، تهران، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ (استيلاء على جزيرتي مجنون (التصميم، التنفيذ، النتائج، التداعيات)، طهران: مركز دراسات وأبحاث الحرب التابع لحرس الثورة الإسلامية، الطبعة الثانية، 1387 هـ. ش.، ص 33.

[11] جزائري، مسعود. “مجنون "نظرة عامة على عمليتي خيبر وبدر"( مروری بر عملیات خیبر و بدر). قم: منشورات نسيم حيات، 1384 هـ. ش.، ص 31.

[12] بورداراب، سعيد. المصدر نفسه، ص 264 و 263.

[13] سميعي، علي. المصدر نفسه، ص 168.

[14] جزائري، مسعود. “مجنون" نظرة عامة على عمليتي خيبر وبدر"( مروری بر عملیات خیبر و بدر)، ص 14.

[15] بورداراب، سعيد. المصدر نفسه، ص 11، 12، 463.

[16] المصدر نفسه، المجلد 44، ص 11.

[17] المصدر نفسه، المجلد 43، ص 735 و 739.

[18] جزائري، مسعود. المصدر نفسه، ص 103، 104، 105.

[19] المصدر نفسه، ص 62.

[20] “عملية خیبر: تصرف جزایر مجنون (طراحی، اجرا، نتایج، بازتاب‌ها) (استيلاء على جزيرتي مجنون (التصميم، التنفيذ، النتائج، التداعيات)، ص 27.

[21] بورداراب، سعيد. المصدر نفسه، المجلد 44، ص 11.

[22] المصدر نفسه، المجلد 55، ص 11.

[23] سميعي، علي. المصدر نفسه، ص 195، 196، 197، 98.

[24] جزائري، مسعود. المصدر نفسه، ص 23.

[25] محمدي، سهيلا. المصدر نفسه، ص 67.

[26] فراستي، مسعود. “فرهنگ فیلم‌های جنگ و دفاع مقدس ایران 1359-1391”. طهران: ساقی، 1392 هـ. ش.، ص 114، 115.