الأماكن

دشت عباس

إعداد: مريم بياتلويي نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
9 دورہ

كانت دشت عباس إحدى القواعد الأساسية و المراكز الرئيسية للقطاع الشمالي في عملية فتح المبين العسكرية.

وفقاً للتقسيمات الوطنية، تُعدّ دشت عباس جزءاً من ضواحي ناحية موسيان التابعة لمدينة دهلران في محافظة إيلام. نظراً لوقوعها على نقطة التماس الحدودية بين محافظتي إيلام وخوزستان، يمكن تسميتها "بوابة خوزستان".[1]

تستمد دشت عباس اسمها وهويتها من مزار مقدس يقع على بُعد 11 كيلومتراً منها. يُنسب هذا المقام والبقعة إلى العباس بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولهذا السبب سُميت المنطقة بدشت عباس. يقع بقعة وحرم السيد عباس في المركز الجغرافي للسهل، وتُحسب الأراضي التي تقع بعده بكيلومترات جزءاً من سهل دشت عباس.

يمر الطريق الإسفلتي الذي يربط أنديمشك بدهلران عبر دشت عباس، وهو يُشكل واحداً من خمسة محاور نقل أساسية في خوزستان. وكان هذا الطريق يمثل شريان الحياة لحركة قوات حرس دزفول في مهام التفتيش والتحكم على الحدود ومكافحة تحركات المجاميع الانفصالية العربية المناهضة للثورة في خوزستان.[2]

يحد دشت عباس من الشمال السفوح الجنوبية لجبل كبيركوه، ومن الشرق مرتفعات دهليز وعلي گره زد، ومن الجنوب جزء من مرتفعات تينه، ومن الغرب جزء آخر من مرتفعات تينه وكذلك منطقة عين خوش.[3]

يتميز المناخ في منطقة دشت عباس بكونه حاراً وجافاً صيفاً، وتصاحبه رياح مغبرة تتجه غالباً من الغرب إلى الشرق، في حين يصبح معتدلاً وصافياً وخالياً من الرياح شتاءً. وعلى عكس المناطق المحيطة بها التي هي في الغالب جبلية وتلال، فإن أرض دشت عباس ناعمة وصالحة للزراعة، وهي تُشكل منطقة قشلاق وإيواء شتوي للعشائر النازحة من الشمال بسبب غطائها النباتي المناسب. وتوفر أرض السهل المستوية نسبياً ميداناً ممتازاً لمناورات الوحدات المدرعة.[4]

إن السيطرة على المرتفعات الشمالية والشرقية والغربية لدشت عباس تسمح برصد منطقة غرب دزفول بالكامل. كما أن المرتفعات الشمالية (مرتفعات كبيركوه) تُشكل موانع طبيعية جيدة لمواجهة العدو.[5]

مع بداية الحرب المفروضة، خُصصت ست فرق تابعة للنظام البعثي للهجوم على خوزستان.[6] ومن الأهداف الرئيسية للجيش العراقي للسيطرة الكاملة على خوزستان، كان احتلال الأرض الواسعة غرب نهر الكرخة في منطقة شوش ودزفول.[7]

بسبب اتساع الأرض وعمق الأهداف، عملت قوات العدو في هذه المنطقة من محورين رئيسيين: الفكة ـ شوش و شرهاني ـ جسر نادري. وعبرت هذه القوات المراكز الحدودية وتوغلت في العمق الإيراني. وفي منطقة شرهاني، عبرت الفرقة العاشرة المدرعة التابعة للجيش العراقي نهر دويرج واحتلت عين خوش، ثم تقدمت عبر دشت عباس نحو نهر الكرخة وهاجمت جسر نادري.[8]

بسقوط المراكز الحدودية في المنطقة، احتل العدو معسكر عين خوش، ثم تقدمت القوات المهاجمة نحو مزار السيد عباس ودشت عباس، التي سقطت بالكامل في أيدي العدو في 27 سبتمبر 1980م، وأصبحت مسرحاً لعمليات عناصر اللواء 42 المدرع.[9]

في 4 نوفمبر 1981م، انعقدت لجنة بحضور قادة ومخططي الجيش في مقر الفرقة 21 (سبزآب دزفول)، وكانت نتيجتها تأسيس مقر تكتيكي في منطقة دشت عباس وعين خوش، الذي مثّل بداية تشكيل مقر القدس .[10]

أُسندت مهمة تحرير دشت عباس ضمن مهام مقر القدس. وفي الواقع، كان للمقر هدفان عملياتيان رئيسيان: تحرير مناطق عين خوش، ودشت عباس، وتلة 202، وإغلاق الطريق الاستراتيجي أبو غريب من جهة، ومنع تسلل العدو من الاتجاه الجنوبي الشرقي إلى منطقة دشت عباس من جهة أخرى.[11]

في 9 نوفمبر 1981م، عُقد اجتماع في المقر المتقدم للقوة البرية للجيش الإيراني (نزاجا)، وأُعلن أن سلسلة العمليات المخصصة لتحرير خوزستان ستُطلق عليها اسم "كربلاء". وفي مرحلة التخطيط لـ "عملية كربلاء 2"، سُميت بـ "فتح المبين"، وبدأ العمل بها في 10 نوفمبر 1981م.[12]

مع إقرار الخطة الأولية لـ عملية كربلاء 2 (فتح المبين) في 3 فبراير 1982م، استعد اللواء المدرع الثاني بدزفول، المعروف باسم "لواء مازسوار"، للانتقال مسافة تزيد على ثلاثمائة كيلومتر إلى شمال دشت عباس، والتمركز في منطقة محددة مسبقاً للاستطلاع تُدعى "لزه" .[13]

مثلت معركة فتح المبين نقطة تحول في تاريخ الدفاع المقدس، حيث تم فيها تحرير مناطق دشت عباس، وطريق دهلران ـ دشت عباس، ومرتفعات عين خوش وبرقازة. كما تم إبعاد مدن شوش ودزفول وأنديمشك عن مدى نيران المدفعية المعادية.[14]

في النصف الثاني من فبراير 1982م، وبغية مواجهة قوات العدو، بدأت العديد من القواعد بالعمل تحت قيادة حرس الثورة الإسلامية في مناطق دشت عباس ودهليز وبلتا ونقاط أخرى. كان عبد الله أحمدي هو قائد محور دشت عباس.

ربما كانت المهمة الرئيسية لهذه القاعدة هي الاستطلاع الدقيق لمواقع العدو وتحركاته في المنطقة الممتدة غرب تلال بلتا وحتى محيط عين خوش. واكتسبت أهمية هذا الاستطلاع الدقيق والمفصّل لسببين:

كان من المقرر أن تكون دشت عباس هي نقطة التقاء والالتحام لمقري القيادة "القدس" و"نصر".

كانت دشت عباس تُعدّ من الأراضي القليلة التي لا تحتوي على تضاريس أو عوائق واضحة، ما جعل هذه الميزة أرضية خصبة لمناورة الدبابات والمركبات المدرعة.

من أهم العمليات التي نُفذت في منطقة دشت عباس يمكن الإشارة إلى ما يلي:

عملية محرم؛ جرت بين 1 و 11 نوفمبر 1982م في الجبهة الجنوبية (عين خوش ـ زبيدات)، بهدف احتلال رأس جسر في منطقة العمارة وتحرير المرتفعات الحدودية. أسفرت العملية عن تحرير 500 كيلومتر مربع من الأراضي المحتلة.

عملية والفجر التمهيدية؛ جرت بين 6 و 10 فبراير 1983م في الجبهة الجنوبية وشمال جبل چزابه، بهدف التقدم نحو العمارة وتهديدها من الشرق، لكنها انتهت دون تحقيق نتائج.

عملية والفجر 1؛ جرت بين 10 و 17 أبريل 1983م في الجبهة الجنوبية (جبل نوقي)، بهدف التقدم نحو العمارة. أدت العملية إلى كسر خطوط الدفاع المعادية، لكن فشلت الوحدات في الالتقاء، ولم يتم بالتالي تثبيت المنطقة المحررة.

بالإضافة إلى حرس دزفول، كانت القوات المتمركزة في دشت عباس تشمل مجموعة خاصة بقيادة اللواء الشهيد حسن آبشناسان، والتي كانت تتولى تنفيذ عمليات حرب العصابات. كما تمركز اللواء 84 مشاة بخرم آباد في المرتفعات الشمالية لمنطقتي دشت عباس وعين خوش، بعد أن استقر العدو غرب نهر الكرخة.

كانت إحدى الحيل التي استخدمتها قوات الاستطلاع مراراً وتكراراً في دشت عباس هي التنصت، والذي كان يتم بمساعدة العرب المحليين.[15]

أما بالنسبة لأبرز شخصيات حرس دزفول التي أتقنت مهمة الاستطلاع والعمليات في المنطقة أكثر من أي شخص آخر، فهو الشهيد توكل قلاوند. كان قلاوند ابن المنطقة الجبلية، ولذلك كان يستطيع الحركة والعمل بسهولة في المناطق الوعرة. وغالباً ما كان يعمل ليلاً؛ حيث كان يحمل الكاميرا والمعدات اللازمة ويتوغل في عمق مواقع العدو، ويجمع المعلومات الضرورية حول أعداد الأفراد والمعدات العسكرية ومواقع انتشارها. ولهذا السبب، اشتُهر بلقب "أواكس دشت عباس" .[16]

في يوم السبت الموافق 27 مارس 1982م، دخلت المنطقة الوحدات التالية للمشاركة في تحرير دشت عباس: مقر نصر بقيادة حسن باقري، ومقر القدس العملياتي، واللواء 14 إمام حسين، واللواء 84 خرم آباد التابع للجيش، وكتائب أبو ذر الغفاري ومسلم بن عقيل وحمزة سيد الشهداء التابعة لللواء 27.[17] وبذلك، تم تحرير هذه المنطقة بعد ثمانية عشر شهراً من الاحتلال، وذلك بفضل حضور المجاهدين الأبطال.[18]

 

[1] رحيمي، مصطفى، دشت عباس: قطعه‌ای از آسمان(دشت عباس: قطعة من السماء)، طهران، سازمان هنري و أدبيات دفاع مقدس (منظمة الفنون والأدب للدفاع المقدس)، 1393 ش / 2014م، ص 12 و 40.

[2] رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 13-17.

[3] المصدر نفسه، ص 14.

[4] المصدر نفسه، ص 14-16.

[5] المصدر نفسه، ص 16؛ شاهان، محسن، عملیات فتح‌المبین، قرارگاه قدس)عملية فتح المبين، مقر القدس)، طهران، إيران سبز، 1381 ش / 2002م، ص 89.

[6] رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 19.

[7] حبيبي، أبوالقاسم، أطلس خوزستان در جنگ ایران و عراق(أطلس خوزستان في الحرب الإيرانية العراقية)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1393 ش / 2014م، ص 60.

[8] المصدر نفسه، ص 60.

[9] رشيد، محسن، أطلس راهنما3: ایلام در جنگ(أطلس إرشادي 3: إيلام في الحرب)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1380 ش / 2001م، ص 60؛ رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 33.

[10] شاهان، محسن، المصدر نفسه، ص 30 و 34.

[11] المصدر نفسه، ص 57؛ حبيبي، أبوالقاسم، أطلس راهنما8: دزفول، شوش، اندیمشک در جنگ (أطلس إرشادي 8: دزفول، شوش، أنديمشك في الحرب)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1385 ش / 2006م، ص 103.

[12] شاهان، محسن، المصدر نفسه، ص 17-19.

[13] المصدر نفسه، ص 154.

[14] نصراصفهاني، محمدرضا، تپه‌های تجلی(تلال التجلي)، سپاه پاسداران انقلاب اسلامی (حرس الثورة)، أصفهان، لشكر 14 إمام حسين، 1378 ش / 1999م، ص 94؛ حبيبي، أبوالقاسم، المصدر نفسه، ص 110.

[15] رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 40 و 47 و 53 و 59.

[16] بذرافكن، حسين، مثل ستاره: خاطراتی از سردار شهید توکل قلاوند(مثل النجم: ذكريات من القائد الشهيد توكل قلاوند)، أهواز، معتبر، 1392 ش / 2013م، ص 78؛ رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 58.

[17] رحيمي، مصطفى، المصدر نفسه، ص 108-110.

[18] المصدر نفسه، ص 111.