العمليات

عملية إتش-3

إعداد: محسن شیرمحمد نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
19 دورہ

يُطلق اسم "إتش-3" (H-3) على مجمع القواعد الجوية العراقية الثلاث الواقعة في أقصى نقطة غربية من البلاد، وعلى الحدود مع الأردن.

يتكون المجمع المذكور من ثلاث قواعد جوية تشكل معاً مجمع "إتش-3" (H-3)، ويقع هذا المثلث العملياتي على بعد مائة كيلومتر من الحدود الأردنية: قاعدة الوليد: وهي القاعدة الرئيسية. وقاعدة الموراسانا: تقع في الشمال الغربي من القاعدة الرئيسية. وقاعدة الطبعات: تقع في الجنوب الغربي من القاعدة الرئيسية.[1]

يعود تاريخ إنشاء ممر هبوط للطائرات في محطة ضخ إتش-3 إلى عام 1935م، حيث كانت تقع على مسار خط أنابيب النفط الممتد من الموصل إلى ميناء حيفا (إسرائيل). وخلال سبعينيات القرن الماضي، خضعت القاعدة لتطوير وتوسعة كبيرة بهدف مواجهة الهجمات الإسرائيلية المحتملة، وبذلك تحولت إلى واحدة من القواعد الاستراتيجية للقوة الجوية العراقية.[2]

بعد هجوم الجيش العراقي على إيران في 22 سبتمبر 1980م وبدء الحرب المفروضة، أجبرت الضربات الجوية الإيرانية المضادة العدو على نقل جزء من طائراته إلى غرب البلاد. في منتصف أكتوبر 1980م، حصلت القوة الجوية الإيرانية على وثائق ومعلومات تفيد بنقل الطائرات العراقية إلى مجمع قواعد إتش-3 في غرب العراق.[3] شملت الطائرات العراقية التي نُقلت إلى مجمع إتش-3 قاذفات إليوشن-28، وتوبوليف-16، وتوبوليف-22، ومقاتلات ميغ-23، وسوخوي-20.[4]

وضعت قيادة العمليات في القوة الجوية الإيرانية خطة الهجوم على قواعد إتش-3 على جدول أعمالها، وكانت أقرب قاعدة جوية إيرانية، وهي قاعدة الشهيد نوجه (همدان)، تبعد عن إتش-3 حوالي 850 كيلومتراً، وهي مسافة تتجاوز مدى الوقود الأقصى للمقاتلات الإيرانية، مما تطلب التخطيط لتزويدها بالوقود في الجو.[5]

تمت دراسة ثلاثة مسارات مقترحة لتنفيذ الهجوم الجريء على إتش-3: المسار الأول، الهجوم عبر حدود الكويت والسعودية، ثم هبوط المقاتلات الإيرانية في سوريا. المسار الثاني، الطيران مباشرة فوق شمال بغداد، ثم هبوط المقاتلات في سوريا الطيران المباشر عبر مسار شمال بغداد، ثم هبوط المقاتلات في سوريا. والمسار الثالث هو الهجوم عبر مسار حدود العراق وتركيا، ثم العبور إلى سوريا باتجاه قواعد إتش-3. تم رفض المسار الأول بسبب وجود طائرات أواكس السعودية وإمكانية رصد وتتبع العملية. كما لم يكن المسار الثاني ممكن بسبب الدفاع الجوي الكثيف للعدو. ونتيجة لذلك، تم الموافقة على المسار الثالث.[6]

وفقاً للخطة المرسومة، أقلعت أربع عشرة طائرة مقاتلة من طراز فانتوم من قاعدة الشهيد نوجه. أجرت هذه المقاتلات عملية تزويد بالوقود جواً للمرة الأولى فوق جنوب بحيرة أرومية، بمساعدة ناقلتي وقود من طراز بوينغ 707. ومن هناك، تقدمت القوة الضاربة عبر مسار شمال العراق ملاصقاً للحدود التركية حتى وصلت إلى الأجواء السورية. وبعد إتمام إعادة تزود بالوقود أخرى في الجو، اتجهت المقاتلات نحو الهدف وقامت بقصفه. ولتأمين العودة، أجرت المقاتلات عملية تزويد جوي أخيرة بالوقود وهي في طريقها إلى البلاد عبر مسار الحدود التركية والعراقية. وقد نصّت الخطة على إرسال ناقلتي وقود من طراز بوينغ 747 إلى سوريا مسبقاً، حيث تولتا مهمة تزويد الفانتومز بالوقود في الجو أثناء عودتها إلى طهران. أما على الصعيد الدفاعي، فقد تولت مقاتلات إف-14 من قاعدة أصفهان وإف-5 من قاعدة تبريز مهمة توفير الغطاء والحماية الجوية لناقلات الوقود 707 فوق بحيرة أرومية.[7]

شهدت ضربة قواعد إتش-3 ثلاث محاولات انطلاق؛ حيث بدأت المحاولة الأولى في 1 نوفمبر 1980م بإرسال 14 طائرة فانتوم من قاعدة الشهيد نوجه مع تأمين الوقود الجوي فوق بحيرة أرومية، لكن المهمة تم إبطالها نتيجة اختراق سرية التخطيط. وفي 7 فبراير 1981م، انطلقت طائرات الفانتوم مرة ثانية من نوجه، إلا أن العملية أُلغيت مجدداً بسبب تساقط الثلوج والظروف الجوية غير الملائمة التي أدت إلى انعدام الرؤية اللازمة فوق بحيرة أرومية.[8] في 4 أبريل 1981م، انطلقت القوة الضاربة الرئيسية المكوّنة من 8 طائرات فانتوم (إضافة إلى طائرتين احتياطيتين) من قاعدة الشهيد نوجه لاستهداف قواعد الوليد. بعد الانتهاء من التزويد التعبوي بالوقود فوق بحيرة أرومية، سلكت الطائرات الثماني مسار الاختراق عبر شمال العراق، ونفذت التزويد الجوي الاستراتيجي الأول عند وصولها إلى سوريا. ومن هناك، واصلت التقدم جنوباً بمحاذاة الشريط الحدودي العراقي.[9]

ولإنجاح خطة التضليل التكتيكي، قصفت ثلاث طائرات إف-5 تابعة لقاعدة تبريز مصفاة كركوك العراقية في التوقيت ذاته، بهدف تحويل انتباه العدو وموارده الدفاعية عن المسار الذي سلكته طائرات الفانتوم الرئيسية.[10]

ثم انقسمت طائرات الفانتوم إلى ثلاث مجموعات طائرة؛ حيث هاجمت المجموعة الأولى القاعدة الشمالية، واستهدفت المجموعة الثانية (طائرتان) القاعدة الجنوبية، فيما هاجمت المجموعة الثالثة؛ ثلاث طائرات، القاعدة الرئيسية (الوليد).[11]

بعد الانتهاء من قصف القواعد، تعرضت إحدى طائرات الفانتوم لأضرار واضطرت للهبوط في قاعدة تدمر (بالميرا) شمال شرق العاصمة السورية دمشق.[12] أما باقي المقاتلات، فقد أجرت عملية تزويد جوي إضافية بالوقود في طريق عودتها، وعادت بسلام إلى الأراضي الإيرانية، حيث هبطت في قاعدة الشهيد نوجه بعد رحلة استغرقت أربع ساعات وخمسين دقيقة،[13] قاطعة مسافة إجمالية بلغت ستة آلاف كيلومتر.[14]

أكدت سلطات الاستخبارات الأمريكية تدمير الأصول التالية خلال قصف قواعد إتش-3: ثلاث طائرات نقل من طراز أنتونوف-12، قاذفة توبوليف-16 واحدة، أربع مقاتلات ميغ-21، خمس طائرات سوخوي-20، ثماني طائرات ميغ-23، مقاتلتين ميراج إف-1، وأربع مروحيات ميل-8.[15]

أما الخسائر البشرية، فقد قُتل طياران عراقيان وأربعة عشر فرداً من القوات الأرضية العراقية، بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص مصريين وشخص واحد من ألمانيا الشرقية. كما سُجل إصابة تسعة عشر عراقياً وأربعة مصريين واثنين من الأردنيين.[16] تطلبت عملية إتش-3 دعم ومشاركة ما مجموعه 54 طائرة من مختلف الأنواع (مقاتلات، وناقلات وقود، وطائرات نقل)، وشارك فيها 75 طياراً من القوة الجوية للجيش. [17]

 

[1]مهرنيا، أحمد، حمله به الوليد(الهجوم على الوليد)، طهران، سوره مهر، الطبعة السابعة، 1392 ش / 2013م، ص 39.

[2] www.wikipedia.org/wiki/H-3_Air_Base

[3] مجلة همشهري پايداري، ع 139، فروردين 1394 ش / أبريل 2015م، ص 69.

[4] مهرنيا، أحمد، المصدر نفسه، ص 27.

[5] مجلة همشهري پايداري، المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه، ص 69.

[7] مهرنيا، أحمد، المصدر نفسه، ص 35-39.

[8] مجلة همشهري پايداري، المصدر نفسه، ص 70؛ مهرنيا، أحمد، المصدر نفسه، ص 45.

[9] مهرنيا، أحمد، المصدر نفسه، ص 141-152.

[10] المصدر نفسه، ص 153 و 154.

[11] المصدر نفسه، ص 170 و 171.

[12] المصدر نفسه، ص 179-181.

[13] المصدر نفسه، ص 85 و 191 و 194.

[14] مجلة همشهري پايداري، ع 40، اسفند 1388 ش / مارس 2010م، ص 15.

[15] المصدر نفسه، ص 214 و 222.

[16] مهرنيا، أحمد، المصدر نفسه، ص 214 و 222 و 223.

[17] المصدر نفسه، ص 214.