العمليات

عملية والفجر8

إعداد: ليلا آزاده نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
32 دورہ

انطلقت عملية والفجر 8 في 9 فبراير 1986م، باستخدام نداء "يا فاطمة الزهراء (س)" كرمز للعملية. بدأت العملية بعبور المقاتلين لنهر أروند رود في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد. وقد حققت العملية هدفها التعبوي بالاستيلاء الكامل على شبه جزيرة الفاو الاستراتيجية، مما أدى عملياً إلى قطع المنفذ البحري الحيوي للعراق على الخليج الفارسي.

تقع شبه جزيرة الفاو في أقصى نقطة جنوبية من العراق. يسمى رأس هذه المنطقة المثلثية الشكل، والذي ينتهي عند الخليج الفارسي، باسم رأس البيشة. يشكل خور عبد الله وأروند رود ضلعي هذه الشبه الجزيرة، بينما يمتد ضلعها الثالث نحو ضواحي البصرة. احتوت المنطقة على عوارض طبيعية وصناعية مثل الطرق، والسدود الفيضانية، والسواتر الترابية، ومنصات إطلاق الصواريخ، والمنشآت النفطية التابعة لمدينة الفاو، وكانت غالبية أرضها ذات طبيعة مستنقعية. كانت مدينة الفاو شبه الصناعية هي المعلم الأبرز في منطقة النزاع، حيث اعتُبرت نقاط حيوية مثل مصنع الملح، والطريقان اللذان يربطان الفاو بالبصرة، والطريق الذي يؤمن الاتصال البري بين الفاو وأم القصر، من أهم المعالم الحساسة في المنطقة.[1] كانت الميزات التكتيكية لمنطقة الفاو في سياق عملية والفجر 8 تكمن في وجود المياه يغطي ثلاثة أجنحة من مسرح العمليات، وهو ما حصر جهود المواجهة والدفاع العراقية في اتجاه بري واحد فقط. كما أتاحت هذه الخصائص إمكانية تنفيذ قصف مدفعي خفيف ومكثف وبحجم نيران هائل، باستخدام المدفعية والمعدات القتالية، على أرتال العدو الممتدة على طول المسار من عبادان وصولاً إلى الفاو.[2]

تطلبت عملية والفجر 8 تحقيق أهداف استراتيجية هامة، بما في ذلك: الاستيلاء على مدينة الفاو للحصول على موضع تفوق استراتيجي لإنهاء الحرب. والاقتراب من الحدود الكويتية (التي كانت تدعم العراق مالياً وعسكرياً) لتحفيز النظام الدولي على قبول حقوق إيران. والسيطرة على خور عبد الله وقطع مسار دخول وخروج العراق من وإلى الخليج الفارسي. والاستيلاء على منصات إطلاق الصواريخ أرض-بحر التي كانت متمركزة في شبه جزيرة الفاو وتتسبب في تهديد الملاحة المتجهة إلى إيران. وتأمين خور موسى وشمال الخليج الفارسي لضمان سلامة حركة السفن المتجهة إلى ميناء الإمام الخميني.[3]

لتحقيق هذه الغايات، وضعت القوات المنفذة خطة عملياتية من أربع مراحل أساسية: عبور القوات الكاسحة للنهر وإنشاء رأس جسر بعد كسر خط الدفاع الأول للعدو بمساعدة وحدات الغواصين. احتلال مدينة الفاو والوصول إلى خور عبد الله وتأمين المواقع الدفاعية في المثلث الاستراتيجي شمال المدينة، وتأمين قاعدة الصواريخ الثانية. التقدم التكتيكي إلى بداية مصنع الملح وتشكيل خط دفاعي مستعرض يمتد من ساحل أروند رود إلى خور عبد الله. والوصول النهائي إلى نهاية أرض المصنع والقناة الواقعة على طريق أم القصر.[4]

قاد الحرس الثوري المعركة الرئيسية للعملية من خلال مقرّي عمليات رئيسيين هما: كربلاء ونوح.[5] أسندت القوات البرية للحرس الثوري إلى مقر نوح مهمة تنفيذ الهجوم بدءاً من جنوب مدينة الفاو وحتى نهاية رأس البيشة. بينما وُكّلت مهمة الهجوم من جنوب الفاو حتى النقطة الشمالية القصوى لمنطقة العمليات (بما في ذلك السيطرة على مدينة الفاو ومعمل الملح) إلى مقر كربلاء. تم تكليف مقر الرعد بمسؤولية التغطية الجوية والدعم الجوي،كما تولى مقر سليمان خاطر مسؤولية الإسناد والدعم اللوجستي للوحدات الميدانية المناورة. وكُلف مقر النجف بتنفيذ هجوم إسنادي وتضليلي موجه نحو جزيرة أم الرصاص.[6] أما المهام البحرية فقد نُظمت عبر مقر يونس 1 الفرعي (تحت قيادة مقر نوح) الذي تولى مهمة احتلال رصيف الأمية بالتعاون مع لواء كوثر البحري. كما تولى مقر يونس 2 (التابع للقوة البحرية للجيش وتحت قيادة مقر خاتم الأنبياء (ص)) مهمة احتلال رصيف البكر.[7]

كانت القوات المنظمة لعملية والفجر 8 تابعة بالكامل لمقر خاتم الأنبياء المركزي، وتم توزيعها على ثلاثة مقرات رئيسية على النحو التالي: مقر كربلاء في المحور الشمالي للعملية بتسعة فيالق وهي: (5 نصر، 7 ولي العصر (عج)، 8 النجف الأشرف، 14 الإمام الحسين (ع)، 17 علي بن أبي طالب (ع)، 25 كربلاء، 27 محمد رسول الله (ص)، 31 عاشوراء)، وثلاثة ألوية مستقلة (15 الإمام الحسن (ع)، 32 أنصار الحسين (ع)، و44 قمر بني هاشم (ع).

مقر نوح في المحور الجنوبي: فيلقان (19 والفجر و41 ثار الله (ع)) واللواء المستقل 33 المهدي (عج). ومقر القدس (الهجوم الإسنادي): ثلاثة ألوية (21 الإمام الرضا (ع)، سيد الشهداء (ع)، و18 الغدير).

بشكل إجمالي، شاركت إيران في العملية بـ 140 كتيبة قتالية، في حين حشد العراق 220 كتيبة.[8] ولأغراض التضليل الاستراتيجي، نُفذت ثلاث هجمات محدودة قبل بضع ليالٍ من الضربة الرئيسية في مناطق هور، شلمجة، وأم الرصاص بالاشتراك بين قوات الحرس الثوري والجيش.[9]

انطلقت عملية والفجر 8 في تمام الساعة 22:30 مساءً بتاريخ 9 فبراير 1986م، معلنة رمز "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" و "يا فاطمة الزهراء، يا فاطمة الزهراء، يا فاطمة الزهراء"، وانطلقت على ثلاثة محاور رئيسية:[10] الضربة الرئيسية تركزت في أروندكنار بهدف احتلال الفاو والاندفاع نحو البصرة عبر طريق أبي الخصيب، بينما شملت الضربات الإسنادية محور شلمجة بهجوم محدود للحرس الثوري، ومحور ثانٍ يمتد لمسافة 50 كم من شلمجة حتى الكوشك بتدخل من خمس فرق تابعة للقوة البرية للجيش.[11]

تم تحقيق المفاجأة التكتيكية الكاملة في الفاو، حيث بدأت العملية الرئيسية بعبور قوات الغواصين لنهر أروند، وتمكنت القوات من توسيع رأس الجسر بسرعة قياسية، مما أدى إلى سقوط رأس البيشة، ومعمل الملح، والمواقع الصاروخية، ومدينة الفاو تباعاً، وتم تحصين المواقع ضد الهجمات المضادة المتوقعة.

ردّ العراق بدفع وحدات الحرس الجمهوري بشكل عاجل إلى ميدان المعركة لعرقلة التقدم وكسب الوقت لوصول احتياطياته. ومع ذلك، لم تنجح وحدات الحرس في إحداث أي تأخير في تثبيت المواقع المحررة، وتعرّضت لتفكك تنظيمي وأُجبرت على الانسحاب. دخول وحدات الاحتياط التابعة للجيش العراقي لم يكن فعالاً؛ فقد استمرت الهجمات المضادة لما يقرب من 75 يوماً، ولم تسفر إلا عن تراكم أعداد هائلة من الخسائر والدمار في صفوفهم. واستنتجت القيادة العامة للجيش العراقي أن محاولات استرداد الفاو هي عملية مدمرة للوحدات ولا جدوى منها. ونتيجة لذلك، أوقفت الهجمات، وبقيت السواحل العراقية على الخليج الفارسي المحاذية للكويت تحت سيطرة القوات الإيرانية.[12]

تولى دعم وهندسة القتال لجهاد البناء مهمة تجهيز المنطقة للعمليات، حيث تم توظيف ما يقرب من 400 شاحنة قلابة وعدد كبير من اللوادر والجرافات. أسفر هذا الجهد عن إنشاء 473 كيلومتراً من الطرق الجديدة في منطقة أروند رود، بالإضافة إلى ترميم وسفلتة 110 كيلومترات من الطرق القائمة. أقام المقر الهندسي لجهاد البناء في المنطقة منشآت حيوية تشمل مستشفى ميدانياً، ومواقع لمعالجة التلوث الكيميائي، ومواضع المدفعية والصواريخ، وطرق المواصلات، ومهابط المروحيات، والسواتر الترابية والتحصينات الدفاعية.[13]

في محاولته للسيطرة على ساحل أروند رود وطرد القوات الإيرانية من الفاو، اعتمد الجيش العراقي على ثلاثة تكتيكات رئيسية: الاستخدام الواسع للأسلحة الكيميائية، وشن هجمات جوية مكثفة، وقصف طريق عبادان في خسرو أباد بشكل مستمر. بعد ثلاثة أيام من بدء العملية في 12 فبراير 1986م، قصفت 32 طائرة عراقية منطقة الفاو كيميائياً لمدة ساعة. ونتيجة لذلك، أُصيب 2500 شخص في اليوم الأول، وارتفع عدد المصابين إلى 8500 شخص في اليومين التاليين بسبب ثبات غاز الخردل. وفي صباح ومساء اليوم التالي، تعرضت الفاو وعبادان لهجومين كيميائيين عنيفين، مما أدى إلى استشهاد 20 مجاهداً.[14]

تجاوزت الخسائر البشرية في صفوف القوات العراقية 50 ألف فرد ما بين قتيل وجريح، وشملت هذه الخسائر مقتل وإصابة قائد فرقة، و5 قادة ألوية، وعدد كبير من الضباط الكبار والصغار. كما تم أسر 2105 أفراد، كان من بينهم عقداء أركان، ومقدمون، ورواد، وضباط صغار، وطيارو طائرات ومروحيات، ورتب أخرى.

أصول العدو التي تم تدميرها هي: 39 طائرة، 5 مروحيات، و 300 دبابة، 240 ناقلة جنود مدرعة، و 5 آليات هندسية، 250 آلية نقل، و 150 مدفع ميداني، 55 مدفعاً مضاداً للطائرات، وفرقاطتين إطلاق صواريخ. كما استولت القوات على غنائم عسكرية قيّمة، تضمنت: 50 دبابة، 45 ناقلة جنود مدرعة، 30 آلية هندسية، 180 مركبة نقل، 20 مدفع ميداني، 120 مدفعاً مضاداً للطائرات، و3 رادارات صاروخية.[15]

بلغ عدد شهداء وجرحى القوات الإيرانية خلال هذه العملية ما يقرب من 10 آلاف فرد. كما تعرضت 4 طائرات مقاتلة من طراز إف-5 تابعة للقوة الجوية للجيش لإصابات مباشرة، واستُشهد أو أُسر عدد من طياريها.[16]

تمثلت أنشطة الطيران المروحي في هذه العملية بتنفيذ 3938 ساعة طيران، ونقل 1624 فرداً من المجاهدين إلى منطقة الفاو، وإجلاء 2038 جريحاً إلى مؤخرة الجبهة، وحمل 330 طناً من المعدات الخفيفة والثقيلة. وفي إطار الدعم الناري المباشر، نفذت مروحيات كوبرا الهجومية التابعة للطيران المروحي قصفاً على تجمعات ومعدات الجيش العراقي (كالدبابات، ناقلات الجنود، الآليات، المواقع الصاروخية، والأفراد)، حيث أطلقت: 67 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز تاو (TOW)، و4 صواريخ مافريك ثقيلة، و841 صاروخاً مدفعياً، و5280 قذيفة من مدفع عيار 20 ملم.[17]

خلال هذه العملية، تحققت الأهداف المحددة بشكل كامل. وتم استعادة حوالي 30 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الإيرانية المحتلة، والسيطرة على ما يقرب من 770 كيلومتراً مربعاً من الأراضي العراقية، مما أدى إلى قطع اتصال العراق بالمياه المفتوحة. وتم الاستيلاء على مدينة الفاو وأرصفتها البحرية بالكامل، ونجحت القوات الإيرانية في التموضع على مسافة 20 كيلومتراً من ميناء أم القصر العراقي.[18]

تخليداً لذكرى صانعي الملحمة، أقيم نصب شهداء عملية والفجر 8 التذكاري بجوار نهر أروند رود، مقابل مدينة الفاو العراقية، وعلى الساحل الشمالي لمنطقة أروندكنار. قام بإنشاء النصب مؤسسة حفظ آثار ونشر قيم الدفاع المقدس، ويستضيف رفات خمسة شهداء مجهولي الهوية سقطوا في هذه العملية.[19]

[1] معبودي، جلال، اطلس لشکر 31 عاشورا در دوران دفاع مقدس (أطلس فرقة 31 عاشوراء في فترة الدفاع المقدس)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1398 ش / 2019م، ص 162؛ زارع‌زاده، نادر، اطلس لشکر 17 علی‌ابن ابیطالب (ع) در دوران دفاع مقدس (أطلس فرقة 17 علي بن أبي طالب (ع) في فترة الدفاع المقدس)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1399 ش / 2020م، ص 218.

[2] أردستاني، حسين، تجزیه و تحلیل جنگ ایران و عراق تنبیه متجاوز (تحليل وتحليل حرب إيران والعراق، معاقبة المعتدي)، ج 3، طهران، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ (مركز الدراسات والبحوث الحربية)، 1379 ش / 2000م، ص 169.

[3] حبيبي، أبوالقاسم، أطلس خوزستان في حرب إيران والعراق، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1393 ش / 2014م، ص 203.

[4] علائي، حسين، تاریخ تحلیلی جنگ ایران و عراق (التاريخ التحليلي لحرب إيران والعراق)، ج 2، طهران، مرز و بوم، 1395 ش / 2016م، ص 175 و 176.

[5] زارع‌زاده، نادر، المصدر نفسه، ص 219.

[6]6معبودي، جلال، المصدر نفسه، ص 162.

[7] بورجباري، بجمان، اطلس جغرافیای حماسی ـ خوزستان در جنگ (أطلس الجغرافيا الملحمية ـ خوزستان في الحرب)، ج 1، طهران، صرير، 1389 ش / 2010م، ص 100.

[8] حبيبي، أبوالقاسم، اطلس خوزستان در جنگ ایران و عراق (أطلس خوزستان في حرب إيران والعراق)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1393 ش / 2014م، ص 204.

[9] رشيد، محسن، اطلس جنگ ایران و عراق، تهران (أطلس حرب إيران والعراق، طهران)، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ (مركز الدراسات والبحوث الحربية)، 1379 ش / 2000م، ص 74.

[10] كريم‌زاده، أردشير، حماسه‌های ماندگار هوانیروز در دفاع مقدس (الملاحم الخالدة للطيران المروحي في الدفاع المقدس)، طهران، نوديد طراحان، 1388 ش / 2009م، ص 111.

[11] جعفري، مجتبى، اطلس نبردهای ماندگار (أطلس المعارك الخالدة)، طهران، سوره سبز، 1393 ش / 2014م، ص 118.

[12] رشيد، محسن، المصدر نفسه، ص 74.

[13] علائي، حسين، المصدر نفسه، ص 178 و 179 و 194.

[14] المصدر نفسه، ص 195.

[15] مدیریت بهره‌دهی مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ سپاه پاسداران انقلاب اسلامی، عملیات والفجر 8، فتح فاو(طراحی، اجرا، نتایج، بازتاب‌ها)، (إدارة استغلال الموارد في مركز الدراسات والبحوث الحربية بالحرس الثوري، عملية الفجر 8، فتح الفاو (التصميم، التنفيذ، النتائج، الانعكاسات)، طهران، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ (مركز الدراسات والبحوث الحربية)، ط2، 1387 ش / 2008م، ص 44 و 45.

[16] علائي، حسين، المصدر نفسه، ص 198.

[17] كريم‌زاده، أردشير، المصدر نفسه، ص 114.

[18] جعفري، مجتبى، المصدر نفسه، ص 118.

[19] 1بورجباري، بجمان، المصدر نفسه، ص 101؛ مؤسسة عماد، دليل زوار قوافل راهيان نور، طهران، يوسف، 1389 ش / 2010م، ص 112.