الأماكن

سوريا

إعداد: عماد عزت آبادي نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
10 دورہ

كانت الجمهورية العربية السورية من الداعمين الرئيسيين لإيران خلال الحرب المفروضة التي شنها العراق عليها، وذلك من خلال تقديمها دعماً تسليحياً ودبلوماسياً.

تقع سوريا في غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحتها 185,180 كيلومتراً مربعاً، ويزيد تعداد سكانها على 22 مليون نسمة، وعاصمتها دمشق. وهي دولة ذات موقع استراتيجي تحيط بها تركيا شمالاً، ولبنان والبحر المتوسط غرباً، والأردن والنظام الصهيوني جنوباً، والعراق شرقاً. في سياق تاريخها العسكري، خضعت أجزاء من المنطقة للسيطرة الإسلامية عام 635م، وتم ضم كامل الأراضي إلى الإمبراطورية الإسلامية إثر معركة اليرموك في عام 636م. ظلت البلاد تحت نفوذ الدولة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى، وبعدها خرجت من تحت هذا النفوذ وشهدت تأسيس نظامين: أحدهما ساحلي خاضع للحماية الفرنسية، والآخر عربي داخلي بقيادة الأمير فيصل.[1] نالت سوريا استقلالها في سبتمبر 1941م، وبعد أول انتخابات رئاسية في أغسطس 1943م، تولى شكري القوتلي الرئاسة. وفي مفصل حرج، شن الكيان الصهيوني هجوماً عليها في 5 يونيو 1967م، واحتل مدينة القنيطرة  التي تقع على بعد أربعين ميلاً جنوب دمشق بالإضافة إلى هضبة الجولان.[2] وفي سياق التغييرات في القيادة العليا، وصل حافظ الأسد إلى سدة الحكم في 16 نوفمبر 1970م عبر انقلاب غير دموي ضد حكومة "صلاح جديد".[3] وفي أكتوبر 1973م، نفذت سوريا ومصر هجوماً مشتركاً لاستعادة الأراضي التي خسرتها في حرب 1967م، ورغم توقيع مصر اتفاقية مصالحة مع الكيان الصهيوني، نجحت سوريا في استعادة مدينة القنيطرة.[4]

عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، سارع حافظ الأسد بتقديم التهنئة إلى المسؤولين الإيرانيين وأعلن عن دعمه للثورة الإسلامية.[5] وقبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب المفروضة بين العراق وإيران، وخلال مؤتمر القمة العربية في جدة، عندما أعلنت الدول العربية دعمها للعراق، كانتا سوريا وليبيا الدولتين الوحيدتين اللتين دعمتا إيران.[6] ومع بدء الحرب المفروضة، كان الموقف السوري يقوم على الشك والتردد تجاه نتيجة الحرب، ولهذا السبب التزمت سوريا الصمت التام لمدة أسبوعين بعد بداية القتال. في تلك الأثناء، سعى حافظ الأسد، عبر اتصالات مع الأردن والمملكة العربية السعودية، لإيجاد سبيل لإنهاء الحرب، ولكن بعد مرور أسبوعين، أدان العراق.[7] بعد مضي شهر ونصف على بداية الحرب، أعلن حافظ الأسد أول موقف سوري رسمي وصريح أثناء مراسم تخرج مظليين قتاليين، حيث صرح بأن: "هذه الحرب هي مؤامرة من نظام بغداد ضد جميع العرب".[8] أدى هذا الموقف الصريح إلى قطع العلاقات بين العراق وسوريا في 12 أكتوبر 1980م، وأوقفت سوريا ضخ وتصدير النفط العراقي عبر أراضيها، وأغلقت جميع حدودها مع العراق. وفي المقابل، وقعت سوريا اتفاقية مع إيران لتأمين احتياجاتها النفطية من طهران. كان هذا الإجراء ضربة قاسية للعراق، الذي كان يعتمد على عائدات النفط لمواصلة الحرب، إذ تسبب قرار الحكومة السورية في خسارة العراق نصف إيراداته. وعلى الصعيد الدبلوماسي، منعت الجهود السورية تحويل الحرب بين العراق وإيران إلى صراع بين العرب وإيران، وحالت دون عزل إيران إقليمياً. وخلال هذه الفترة، ومع دعم الحكومة السورية للمعارضة الداخلية العراقية، تم إنشاء جبهة ثانية داخل الأراضي العراقية، مما شغل جزءاً من القوة العسكرية العراقية في الداخل لقمع المعارضين.[9]

في 8 أكتوبر 1980م، زار حافظ الأسد موسكو لتوقيع اتفاقية صداقة وتعاون. وفي بيان مشترك، أدان الأسد وبريجنيف العراق. ووافقت القيادة السوفيتية على تقديم مساعدات عسكرية لسوريا وتوريد أسلحة سوفيتية الصنع إلى إيران. ومنذ ذلك الحين، أصبحت سوريا جزءاً من مسار الإمداد العسكري لإيران، رغم أن الأسلحة السوفيتية كانت تصل أيضاً عبر دول أخرى مثل ليبيا والجزائر. كما قدمت الحكومة السورية دعماً استخباراتياً لإيران، شمل معلومات حول خطط وقدرات القوات المسلحة العراقية.[10] من الأمثلة الواضحة على التعاون السوري الإيراني هو الدور المحوري لسوريا في الهجوم الذي شنته إيران على مجمع قواعد الوليد العراقية (H-3).[11] ففي 4 أبريل 1981م، شنت إيران هجومها على هذه القواعد، ولعبت سوريا دوراً رئيسياً. تم تنفيذ عملية التزود بالوقود قبل انطلاق المقاتلات الإيرانية إلى قواعد H-3 في الأجواء السورية، وبعد انتهاء العملية، هبطت إحدى طائرات فانتوم الإيرانية المتضررة في مطار داخل الأراضي السورية.[12]

بعد غزو الكيان الصهيوني لجنوب لبنان في يونيو 1982م، أرسلت إيران قواتها لدعم لبنان وسوريا، لكنها اضطرت إلى سحبها لاحقاً لإعطاء الأولوية لصد العدوان العراقي. ومع دخول إيران إلى الأراضي العراقية واستمرار المعارك البرية حتى عام 1984م، عاد المسؤولون السوريون ليؤكدوا دعمهم لإيران، مشيرين إلى أن دخول إيران إلى الأراضي العراقية لا يشكل خطراً على دول الخليج الفارسي، بل يمثل خطراً على شخص الرئيس العراقي فقط.[13]

في أغسطس 1984م، غادر وفد مكون من 25 مسؤولاً من وزارة حرس الثورة الإيرانية، برفقة عدد من قادة الحرس، إلى سوريا وليبيا.[14] وفي نوفمبر من العام نفسه، تم إرسال فريق من الحرس الثوري مكون من 15 عنصراً إلى سوريا لتلقي التدريب على استخدام صواريخ سكود، وبذلك تشكلت وحدة الصواريخ التابعة للحرس الثوري. وفي الفترة الممتدة من فتح الفاو حتى قبول القرار 598، اتسم الموقف السوري بالانتقاد الحذر لإيران والسعي للوساطة. على الرغم من المصالح السورية الكبيرة كالنفط والمساعدات المادية، والضغوط من الأردن والسعودية والاتحاد السوفيتي، لم تنضم سوريا إلى جبهة داعمي العراق. كان هذا الموقف صعباً؛ فمن جهة، كانت إيران تصر على دخول الأراضي العراقية، مما صعّب على سوريا تبرير تصرفات إيران أمام الدول العربية التي كانت تخشى سقوط العراق. ومن جهة أخرى، كان هناك صراع وأزمة داخلية في لبنان، حيث وقعت اشتباكات بين حزب الله اللبناني الذي تدعمه إيران وأصبح قوة مهيمنة في لبنان، وحركة أمل اللبنانية التي كانت تحظى بدعم سوريا وشهدت تراجعاً في موقعها بسبب صعود حزب الله. وقد أدت هذه الأمور إلى خفض مستوى العلاقات بين إيران وسوريا. على الرغم من ذلك، ورغم موجة الدعاية السلبية التي أُطلقت ضد سوريا بعد فتح إيران للفاو، إلا أن سوريا كانت مُسرورة بنجاح إيران. كانت سوريا ترى أن العدو الرئيسي في المنطقة هو الصهيونية والإمبريالية، وكانت تتصدى لأي محاولة لوضع العرب وإيران في مواجهة بعضهما البعض أو صرف انتباه العرب عن الصهاينة.[15]

وفي عام 1986م، وقبل توجهه إلى قمة الكويت، أعلن حافظ الأسد أن إيران لا تملك أي مخطط لغزو العراق أو توسيع رقعة أراضيها.[16] وخلال قمة عَمّان عام 1987م، حاولت الدول العربية فصل سوريا عن إيران، لكن جهودها لم تسفر عن نتائج.[17] واستمرت سوريا في بذل الجهود للتوسط بين إيران والعراق والدول العربية الداعمة للعراق.[18]

بعد قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 في 18 يوليو 1988م، رحب حافظ الأسد بهذه الخطوة الإيرانية، وأعلن أن هذا القرار الحكيم من إيران سيؤدي إلى تحسن الأوضاع في المنطقة.[19]

بعد انتهاء الحرب المفروضة، تابعت سوريا علاقات سياسية شاملة وصادقة مع إيران.[20] وعقب وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو 2000م، تولى ابنه بشار الأسد السلطة.[21] على عكس حافظ الأسد، الذي كان يتعامل مع حزب الله اللبناني بمنطق التفوق، تعامل معهم بشار كشريك متساوٍ وكدولة، وقد ساهم هذا الأمر، إلى جانب تغيير الكادر القيادي السوري، في زيادة متانة العلاقات بين إيران وسوريا.[22] ومع أن بشار الأسد أبدى في البداية ميلاً نحو المملكة العربية السعودية، إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001م (تفجير البرجين التوأمين في أمريكا)، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 يناير 2005م، إلى جانب النهج الأمريكي الهجومي، أدت إلى تقارب أكبر بين سوريا وإيران. منذ فبراير 2011م، وعلى إثر حراك الصحوة الإسلامية في دول شمال أفريقيا، بدأت الاحتجاجات في سوريا. ورغم أن هذه الاحتجاجات كانت سلمية في البداية، إلا أنها تحولت تدريجياً إلى العنف وأصبحت مسرحاً للنزاع بين الفصائل المعارضة لبشار الأسد وحكومته. وقد استغل تنظيم داعش، الذي أقامته الولايات المتحدة الأمريكية، فراغ السلطة على الحدود السورية، وتسلل إلى الأراضي السورية ليخلق جبهة حرب ثانية.[23] تعود جذور تنظيم داعش إلى تنظيم القاعدة في العراق، وهو تنظيم مرتبط فكرياً بأفكار أبو مصعب الزرقاوي المتطرفة، الذي قُتل على يد القوات الأمريكية والمخابرات العراقية في عام 2006م. بعد الزرقاوي، أصبح أبو أيوب المصري زعيم تنظيم القاعدة في العراق. وبعد مقتله، تم اختيار أبو بكر البغدادي زعيماً لهذه المجموعة في عام 2010م. وفي عام 2013م، أعلن البغدادي رسمياً عن تأسيس تنظيم داعش وشعاره وعلمه التكفيري. وفي رسالة صوتية، أعلن كل من داعش وجبهة النصرة، وهي إحدى المجموعات الإرهابية في سوريا بقيادة أبي محمد الجولاني، نفسيهما رسمياً فرعاً لتنظيم القاعدة.[24] رأت إيران في سوريا عمقها الاستراتيجي، ولذلك دخلت الأراضي السورية لحماية مكتسبات الثورة الإسلامية، ومنع اتساع رقعة الحرب، والحيلولة دون اقتراب هذه الجماعات من الحدود الإيرانية. كانت سوريا تمثل بالنسبة لإيران حليفاً استراتيجياً ودرعاً دفاعياً مهماً في غرب آسيا.[25] ولمواجهة تنظيم داعش في سوريا، تولى فيلق القدس الإيراني، بقيادة اللواء الشهيد قاسم سليماني، مهمة محاربة داعش. وفي النهاية، تم القضاء على سيطرة داعش وحكمه في المنطقة بتاريخ 21 نوفمبر 2017م.[26]

 

[1] سعيدي، إبراهيم، سورية، طهران، وزارة الخارجية، 1374 ش / 1995م، ص 97 و 98 و 1.

[2] المصدر نفسه، ص 118 و100..

[3] المصدر نفسه، ص 100.

[4] المصدر نفسه، ص 118 و119.

[5] المصدر نفسه، ص 137.

[6] درويشي، فرهاد، جنگ ايران و عراق - پرسش‌ها و پاسخ‌ها(حرب إيران والعراق - أسئلة وأجوبة)، طهران، مركز مطالعات و تحقيقات جنگ سپاه پاسداران (مركز دراسات وأبحاث الحرب التابع لحرس الثورة الإسلامية)، ط 1، 1386 ش / 2007م، ص 179.

[7] سلطاني‌نژاد، أحمد، سياست خارجي سوريه در جنگ ايران و عراق 1367-1359(السياسة الخارجية السورية في حرب إيران والعراق 1980-1988)، طهران، صفحه جديد، 1392 ش / 2013م، ص 155 و 154.

[8] سعيدي، إبراهيم، المصدر نفسه، ص 140.

[9] سلطاني‌نژاد، أحمد، المصدر نفسه، ص 158 إلى 162.

[10] المصدر نفسه، ص 162.

[11] مهرنيا، أحمد، حمله هوايي به الوليد (اچ -3) (الهجوم الجوي على الوليد (H-3))، طهران، سوره مهر، ط 1، 1389 ش / 2010م، ص 78 و 88.

[12] المصدر نفسه، ص 166 إلى 168.

[13] سلطاني‌نژاد، أحمد، المصدر نفسه، ص 166-168.

[14] غفار حدادي، فائضه، خط مقدم مبارزه: روايت داستاني و مستند از تشكيل يگان موشكي در ايران با محوريت زندگي حسن تهراني‌مقدم(خط المواجهة: رواية قصصية ووثائقية عن تشكيل وحدة الصواريخ في إيران مع التركيز على حياة حسن طهراني مقدم)، قم، منظومه شمسي، 1394 ش / 2015م، ص 26 و 43.

[15] سلطاني‌نژاد، أحمد، المصدر نفسه، ص 174-178.

[16] المصدر نفسه، ص 180.

[17] المصدر نفسه، ص 183.

[18] المصدر نفسه، ص 188.

[19] سعيدي، إبراهيم، المصدر نفسه، ص 141.

[20] نوروزي‌فرد، عليرضا وآخرون، بررسي آينده روابط ايران و سوريه و تأثير آن بر ژئوپلتيك منطقه‌اي (دراسة مستقبل العلاقات الإيرانية السورية وتأثيرها على الجيوبوليتيكا الإقليمية)، فصلية آمايش سياسي فضا، دورة 3، ع 1، شتاء 1399 ش / 2020م، ص 49.

[21] قربانزاده سوار، قربانعلي وآخرون، سناريوهاي فراروي بحران ژئوپليتيك سوريه» (سيناريوهات أمام الأزمة الجيوبوليتيكية السورية)، فصلية محيط راهبردي، السنة الرابعة، ع 13، شتاء 1399 ش / 2020م، ص 167 و 166.

[22] درويشي سه تلاني، فرهاد، كنكاشي در روابط تاريخي ايران و سوريه (2011-1946) (بحث في العلاقات التاريخية بين إيران وسوريا (1946-2011(، تاريخ‌نامه انقلاب، السنة الأولى، الدفتر الأول، ربيع وصيف 1396 ش / 2017م، ص 136 و 137.

[23] احرامی، سجاد وآخرون، بحران سوريه ميانجي‌گري بين‌المللي و جايگاه ج. ا در حل آن» (أزمة سوريا والوساطة الدولية ومكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانیة في حلها)، فصلية علمي رهيافت انقلاب إسلامي، السنة 15، ع 54، ربيع 1400 ش / 2021م، ص 187.

[24] حاتمي، محمدرضا، شكل‌گيري داعش در كانون پویش جهاني شدن (تشكل داعش في بؤرة ديناميكية العولمة(،نشرية روابط بين‌الملل، صيف 1394 ش / 2015م، ع 30، ص 154-155.

[25] صادقي، السيد شمس‌الدين وآخرون، تحليل مواضع جمهوري إسلامي إيران در قبال بحران سوريه (تحليل مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الأزمة السورية)، نشريه جستارهاي سياسي معاصر، السنة السادسة، ع 1، ربيع 1394 ش / 2015م، ص 140.

[26] أمين‌آبادي، السيدمحمد، پايان خلافت شيطاني داعش/ وعده صادق سردار چگونه محقق شد؟» (نهاية خلافة داعش الشيطانية/ كيف تحققت الوعد الصادق للّواء الشهيد قاسم سليماني؟(، صحيفة كيهان، نافذة على العالم، الخميس 9 آذر 1396 ش / 30 نوفمبر 2017م، ع 21781.