الأماكن

نهر کارون

إعداد: محسن شیرمحمد نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
4 دورہ

يُعد نهر كارون أكبر الأنهار في إيران في محافظة خوزستان، وقد كان بمثابة ساحة قتال بين الأطراف المتحاربة خلال الحرب المفروضة التي شنها العراق على إيران.

يُعتبر نهر كارون، بطول 850 كيلومتراً، أطول نهر في إيران، ويمثل أحد المعوقات الطبيعية ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة خوزستان. تنبع روافد كارون الرئيسية من جبال زردكوه بختياري (في محافظة جهارمحال وبختياري)، وتشمل نهري أرمند وبازفت وعين ديمه. بينما تتغذى فروعه الفرعية من سلاسل جبلية أخرى؛ فرافد خرسان ينبع من دنا في محافظة كهكيلويه وبوير أحمد، ورافد دز ينبع من مرتفعات لرستان. بعد اجتيازه للمناطق الجبلية الوعرة والملتوية، يدخل النهر سهل خوزستان عند نقطة تُعرف بگتوند. ينقسم نهر كارون شمال مدينة شوشتر إلى فرعين ليعود ويلتقي مجدداً جنوبها. ويُعد نهر دز أهم فروعه الثانوية، حيث يلتحق بكارون شمال مدينة الأهواز.

كان نهر كارون يصب مباشرة في الخليج الفارسي على بعد 4 كيلومترات شمال أروندرود. لكن، إبان فترة عضد الدولة البويهي (324-372 هـ.ق)، أدى حفر قناة عضدي في خرمشهر إلى انقسام النهر إلى فرعين:[1] فرع بهمنشير: يقع شمال آبادان، ويتجه بموازاة أروندرود ليلتقي بالخليج الفارسي. وفرع كارون (المعروف بالقناة العضدية): يصب في أروندرود جنوب خرمشهر. يُعد عرض هذا النهر متبايناً؛ ففي بعض النقاط يصل عرض مجرى كارون إلى حوالي 150 متراً بين الضفتين، بينما يتراوح عرضه في مناطق أخرى بين 200 و 250 متراً.

يلتقي نهر كارون بأروندرود عند الحدود الإيرانية-العراقية قبل أن يتدفق نحو الخليج الفارسي. وقد أدت تعرجات هذا النهر إلى تحويل خوزستان إلى سهل كبير.

أُنشئت عدة سدود استراتيجية على كارون، أهمها: سد كارون 1، وكارون 3، وكارون 4، وسد مسجد سليمان، وفي المجرى الأدنى سد كتوند عليا وسد كتوند التنظيمي. يتم حاليًا تحويل عشرين ألف متر مكعب من مياه نهر كرخة يوميًا إلى نهر كارون عبر قناة الشهيد جمران. لم يعد كارون يتمتع بغزارته المائية السابقة، وبالتالي فقد صلاحيته للملاحة النهرية. يطلق على مجرى كارون من خرمشهر حتى الأهواز اسم "كارون السفلي"، ويبلغ طوله 180 كيلومتراً.

مع انطلاق الحرب في 22 سبتمبر 1980م، أُعيقت قوات الجيش العراقي أمام أروندرود وواجهت جداراً دفاعياً قوياً في خرمشهر. لذا، تحولت القيادة إلى خطة ثانوية: اجتياح آبادان عبر نهر كارون في قطاع مارد، ومواصلة الزحف إلى بهمنشير.[2]

نجح اللواء 6 مدرع العراقي في إنشاء موطئ قدم محصن (رأس جسر) بعرض 2 كم من كارون إلى طريق الأهواز-خرمشهر، وعبر النهر بتركيب جسر PMP عائم. عززت القوات العراقية سيطرتها شرق كارون، وبعد ثلاثة أيام وفي ليل 14 أكتوبر 1980م، سقطت قرية مارد. وفي الصباح الباكر، تحركت القوات وسيطرت على طريق ماهشهر-آبادان، لتصبح جزيرة آبادان محاصرة بالكامل من اليابسة.

على الرغم من أن الهدف الأساسي من عبور كارون كان الوصول إلى جزيرة آبادان، إلا أن متطلبات تأمين رأس الجسر وتأمين الجسور المنصوبة على النهر استلزمت توسيع المنطقة شمالاً.[3] ولهذا، دفع العراق بقواته شمالاً حتى مسافة بضع مئات الأمتار من قرية سلمانيه. وبذلك، حقق العدو رأس جسر حيوي شرق كارون، ومكَّنه تطويره من تهيئة الأرضية للوصول إلى جزيرة آبادان.[4]

بعد أيام قليلة، واصل الجيش العراقي انتشاره في صحراء آبادان، وتقدم نحو دارخوين وماهشهر، مثبتاً جسرين إضافيين على نهر كارون في المنطقة الواقعة بين السلمانية ودارخوين.[5] بعد عبور العدو لنهر كارون ومحاصرة آبادان في أكتوبر 1980م، تشكلت ثلاثة خطوط دفاعية شرق النهر، وهي: جبهة آبادان بطول 14 كيلومتراً، جبهة دارخوين بطول 50 كيلومتراً، وجبهة ماهشهر بطول 7 كيلومترات.[6]

مع سقوط خرمشهر في 26 أكتوبر 1980م وتدمير جسر خرمشهر فوق كارون، اكتسب النهر أهمية استراتيجية كعائق طبيعي فاصل بين القوات الإيرانية في عبادان والقوات العراقية في خرمشهر.[7]

في فبراير 1981م، تم تنفيذ خطة هندسية بهدف إحداث فيضان مصطنع لعرقلة حركة العدو، بالتعاون بين مكتب المحافظ ومنظمة المياه والكهرباء في خوزستان.[8] تضمنت الخطة حفر قناة واسعة في الاتجاه الشمالي والغربي للأهواز، بدءاً من شمال تقاطع طريق الأهواز-أنديمشك. تم ضخ مياه كارون إلى هذه القناة باستخدام تسع مضخات مياه كبيرة. وصلت مياه القناة إلى السهل بالقرب من دب حردان جنوب غرب الأهواز، مما أدى إلى تحويل جزء من المنطقة إلى مستنقع لتقييد القوات العراقية.[9]

في فبراير-مارس 1981م، تولت الفرقة 77 التابعة للجيش الإيراني مسؤولية قيادة قطاع آبادان وخرمشهر، ووضعت خطة لكسر حصار عبادان.[10] وبموجب هذه الخطة، التي عُرفت باسم "عملية ثامن الأئمة"، كُلفت الفرقة 77، بالتعاون مع وحدات من الحرس الثوري الإيراني، بمهمة تحرير المناطق المحتلة شرق نهر كارون.[11]

مع انطلاق العملية فجر يوم 27 سبتمبر 1981م، هاجم المجاهدون الإيرانيون العدو من محاور ذوالفقارية، فياضية، ودارخوين. وبعد يومين من القتال، نجحوا في كسر الحصار عن آبادان.[12] وخلال هذه العملية، دُمّر جسرا "قصبة" و"حفار" اللذان كان الجيش العراقي قد نصبهما على نهر كارون،[13] وتم طرد العدو بالكامل من الضفة الشرقية لكارون.[14]

في عام 1982م، لم يتوقع الجيش العراقي أن تقوم إيران بعبور نهر كارون لاستعادة خرمشهر، وأن يكون كارون هو محور الهجوم الرئيسي. كانت أجزاء من الضفة الغربية لكارون مغطاة بالقصب (النيص) والأجمة (جولان)، مما قلل بشكل طبيعي من مدى رؤية العدو عليها. كما كانت هناك مساحات خالية بين نهر كارون وخطوط الدفاع العراقية الرئيسية على طريق الأهواز-خرمشهر؛ حيث لم تتمركز أي قوة معادية فيها، واعتمد العدو فقط على دوريات المراقبة للسيطرة على المنطقة، ولم يكن لديه خط دفاعي منظم ومتواصل.[15]

في يوم 29 مارس 1982م، خلال مراجعة الصور الملتقطة لمحافظة خوزستان بواسطة طائرة الاستطلاع آر. إف-4، تبين أن الطائرة لم تتمكن من تصوير منطقة هور العظيم. ولكن أثناء العودة، التقطت كاميرات الطائرة صوراً واضحة وحيوية للضفة الغربية لنهر كارون، تمتد من شمال دارخوين حتى شمال خرمشهر. بعد تحليل إحدى هذه الصور في مقر كربلاء، اتضح غياب العدو عن جزء من الضفة الغربية لنهر كارون. مثلت هذه الصورة البالغة الأهمية اكتشافاً لثغرة في خطوط العدو، مما أدى إلى تعديل خطة عملية "بيت المقدس" وأشعل بصيص أمل في نجاح هذه المعركة الكبرى.[16]

تضمنت خطة عملية "بيت المقدس" عبور مقرين قياديين، يشملان خمس فرق، عبر نهر كارون ضمن رأس جسر ضخم بعرض 40 كيلومتراً.[17] تم تحديد خمسة مواقع لعبور النهر وإقامة الجسور العائمة عليها. وبالفعل، نصبت القوات البرية للجيش خمسة جسور (PMP) عائمة على نهر كارون في المرحلة الأولى من العملية لتمكين عبور قوات مقري الفتح والنصر.[18]

بتركيب جسر "بیروزی" على كارون في 30 إبريل 1982م بمنطقة دارخوين وعبور المجاهدين، تم الإعداد الأولي لتحرير خرمشهر والضفة الشمالية لنهر كارون في 24 مايو 1982م.[19] بعد الحرب المفروضة، ولتحسين جودة مياه نهر بهمنشير ومنع تدفق المياه المالحة إليه، تم في يوليو 2021م بناء سد ترابي على نهر كارون في منطقة مارد بطول 190 متراً وعرض 11 متراً للقمة وارتفاع يقارب 19 متراً. أدى هذا السد إلى إغلاق نهر كارون وقطع اتصاله بالخليج الفارسي، وفصل المياه المالحة عن العذبة، مما رفع جودة مياه الشرب في آبادان.[20] كما انخفض مستوى مياه نهر كارون في السنوات الأخيرة بسبب نقل المياه من منابعه إلى محافظة أصفهان.[21]

 

[1]بورجباري، پژمان، اطلس جغرافياي حماسي 1: خوزستان در جنگ (أطلس الجغرافيا الملحمية 1: خوزستان في الحرب)، طهران، صرير، 1389 ش / 2010م، ص 194.

[2] المصدر نفسه، ص 194 و 195.

[3] بني لوحي، سيد علي وآخرون، نبردهاي شرق كارون به روايت فرماندهان (معارك شرق كارون برواية القادة)، طهران، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ (مركز الدراسات والبحوث الحربية)، 1379 ش / 2000م، ص 54.

[4] المصدر نفسه، ص 55.

[5] سليماني خواه، نعمت الله، اين سوي اروند جايي براي دشمن نيست (هذا الجانب من أروندرود ليس فيه مكان للعدو)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1393 ش / 2014م، ص 368.

[6] بني لوحي، السيد علي وآخرون، المصدر نفسه، ص 75 و 76.

[7] بورجباري، پژمان، المصدر نفسه، ص 195.

[8] شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوايي و عمليات عكس‌برداري هوايي در دفاع مقدس (عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوات الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، طهران، مرکز انتشارات راهبردی نهاجا (مركز النشر الاستراتيجي للقوة الجوية)، 1396 ش / 2017م، ص 179؛ حسيني، يعقوب، سيل مصنوعي براي پدافند در خوزستان (الفيضان الاصطناعي للدفاع في خوزستان)، طهران، إيران سبز، 1392 ش / 2013م، ص 33.

[9] حسيني، يعقوب، المصدر نفسه، ص 34.

[10]سروري، روح الله وأبو القاسم جاوداني، عمليات ثامن‌الائمه (عملية ثامن الأئمة)، طهران، منشورات آجـا، 1390 ش / 2011م، ص 88، 89 و 124.

[11] روزشمار جنگ ايران و عراق، نبردهاي شرق كارون به روايت فرماندهان (سجل حرب إيران والعراق، معارك شرق كارون برواية القادة)، طهران، مرکز مطالعات و تحقیقات جنگ سپاه پاسداران (مركز الدراسات والبحوث الحربية التابع للحرس الثوري)، 1373 ش / 1994م، ص 175.

[12] جعفري، مجتبى، اطلس نبردهاي ماندگار (أطلس المعارك الخالدة)، ط35، طهران، سوره سبز، 1393 ش / 2014م، ص 64.

[13] أردستاني، حسين، تاريخ شفاهي دفاع مقدس، روايت سيد يحيى صفوي، از سنندج تا خرمشهر (التاريخ الشفهي للدفاع المقدس، رواية السيد يحيى صفوي، من سنندج إلى خرمشهر)، ج 1، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الدفاع المقدس)، 1397 ش / 2018م، ص 336 و 337؛ سليماني خواه، نعمت الله، المصدر نفسه، ص 473 حتى 475.

[14] بورجباري، پژمان، المصدر نفسه، ص 195.

[15] حيدري مقدم، عباس، هندسه در رزم، تاريخ شفاهي مهندسي رزمي دفاع مقدس (الهندسة في القتال، التاريخ الشفهي للهندسة القتالية في الدفاع المقدس)، ج 2، طهران، منشورات متحف الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، 1398 ش / 2019م، ص 294.

[16] أبو علي، زهراء، افسر دالسين: خاطرات سرهنگ محمد جواد انشايي (الضابط دالسين: مذكرات العقيد محمد جواد إنشائي)، طهران، منشورات آجـا، 1389 ش / 2010م، ص 211 و 212؛ ذاكري، تراب، اطلاعات در جنگ تحميلي (الاستخبارات في الحرب المفروضة)، ج 1، طهران، منشورات مركز التدريب والبحوث الشهيد الفريق صیاد شيرازي، 1387 ش / 2008م، ص 470 و 471؛ شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوايي و عمليات عكس‌برداري هوايي در دفاع مقدس(عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوات الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، ص 212.

[17] "پرونده خرمشهر:1- ميزگرد بررسي نقش نيروهاي پشتيباني و خدماتي رزم در عمليات بيت‌المقدس (ملف خرمشهر 1: مائدة مستديرة لمناقشة دور قوات الإسناد والخدمات القتالية في عملية بيت المقدس)، فصلية فرهنگ پايداري، ش 4، بهار 1388 ش / ربيع 2009م، ص 36.

[18] المصدر نفسه، ص 39.

[19] بورجباري، پژمان، المصدر نفسه، ص 195.

[20] "فرماندار: ساخت سد مارد كيفيت آب آبادان را افزايش داد (المحافظ: بناء سد مارد رفع جودة مياه عبادان)، إيرنا، 9 تير 1400 ش / يوليو 2021م. www.irna.ir/news/84389178/.

[21] "آورد كارون 50 درصد كاهش يافت (تدفق كارون انخفض بنسبة 50%)، خبر أونلاين، 3 مرداد 1400 ش / يوليو 2021م.