الأماكن
دزفول
إعداد: عماد عزت آبادي
نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
13 دورہ
تُعدّ دزفول إحدى مدن محافظة خوزستان الإيرانية، وقد استُهدفت بشكل متكرر ومكثف بصواريخ وطائرات وقذائف الجيش العراقي خلال فترة الدفاع المقدس التي استمرت ثماني سنوات.
تُعدّ دزفول نقطة قيادة مقاطعة دزفول، وتقع ضمن مسرح العمليات في محافظة خوزستان، على مسافة 165 كيلومتراً شمال الأهواز.[1] تكتيكياً، تقع المدينة في منطقة سهلية على حافة جبال زاغروس وسهل خوزستان الحيوي، ويقسمها نهر دز الذي يوفر عائقاً مائياً دفاعياً هاماً.[2] يتميز مناخ المدينة بأنه معتدل في فصل الشتاء، ولكنه يصبح شديد الحرارة من منتصف فصل الربيع وحتى شهر نوفمبر، وتتخلل هذه الفترة موجات من الغبار.[3]
خلال العصر الساساني، أُنشئ جسر على نهر دز، ثم أُقيم حصن عسكري على الضفة الغربية للنهر لأغراض دفاعية/عسكرية. بمرور الوقت، ومع تراجع عظمة ومركزية مدينتي شوش وجنديسابور، هاجر السكان إلى هذا الحصن، مما أدى إلى تطويره وتحويله تدريجياً إلى مدينة.
أصبحت هذه المدينة، التي عُرفت سابقاً بـ "دژپل"، تُعرف باسم "دزفول" في العصر الإسلامي، ويُعزى ذلك إلى تكييف الاسم مع اللفظ العربي لغياب الحرفين اللذين يمثلان الصوتين 'ژ' و 'پ' في اللغة العربية.[4] بلغ عدد سكان المدينة في إحصاء عام 1986م أكثر من 239,000 نسمة، وهم يعملون بشكل أساسي في القطاعات التي تدعم الإمداد والتموين وهي الزراعة والصناعة والخدمات.[5]
في عام 1956م، وُضعت الأسس لإنشاء سد دز ومحطة الطاقة الكهرومائية على بُعد 25 كيلومتراً شمال شرق دزفول، مما أسفر لاحقاً عن بناء أعلى سد في الشرق الأوسط وسادس أكبر سد في العالم.[6] في عام 1957م، بدأ العمل قرب المدينة في منطقة تبه تشرمي لإنشاء قاعدة جوية، وهو ما أدى إلى تأسيس قاعدة وحدتي الجوية المقاتلة في عام 1961م.[7]
قبل بدء الحرب المفروضة، شارك حرس الثورة الإسلامية في دزفول في جبهة القتال الغربية لمواجهة المجموعات المناهضة للثورة (كومله والحزب الديمقراطي)، واستمر هذا الاشتباك حتى بداية الحرب.[8] مع بدء الهجوم العراقي في 22 سبتمبر 1980م والقصف الجوي للمدن الجنوبية، توجهت القوات الشعبية والبسيج المتطوعة من دزفول وشوش وأنديمشك إلى خط المواجهة بجانب وحدات الجيش، تحت إشراف قيادة حرس دزفول. مثّلت فرقة 7 وليعصر (عج)، المكوّنة من قوات حرس دزفول، التشكيل القتالي الرئيسي للمنطقة، حيث شاركت بـ 38 كتيبة في 14 عملية كبرى طوال سنوات الحرب الثماني.[9]
في 22 سبتمبر 1980م، تعرضت قاعدة وحدتي الجوية في دزفول للقصف لأول مرة من قِبل مقاتلات ميغ عراقية. أسفر الهجوم عن سقوط ثلاثة شهداء،[10] بينهم مدنيان (حسين لوافيان ورضا بيرزاده سنجري) والضابط العسكري، الطيار فيروز شيخ حسيني؛ ضابط أمن القاعدة. في 24 سبتمبر، استهدفت مقاتلات العدو المنشآت العسكرية المحيطة بالقاعدة، مما أدى إلى تغطية مدرج الإقلاع بالحُصى والشظايا، ما أدى إلى تعطيل إقلاع طائرات F-5 المقاتلة التي كانت تستعد لشن هجوم مضاد. لكن الحشود المدنية في دزفول تحركت نحو القاعدة وقامت بتطهير المدرج وإعادته للعمليات، مما مكّن القوات الجوية من تنفيذ مهامها في اليوم نفسه. في 27 سبتمبر 1980م، وبعد أن نجح العراق في الاستيلاء على شاورية ومرتفعات علي گره زد شرق دشت عباس، اقتربت قواته من المدينة وبدأت قصف دزفول بالمدفعية للمرة الأولى، إيذاناً ببدء هجمات صدام على المنطقة الحضرية. في 2 أكتوبر 1980م، استُهدفت المناطق السكنية في المدينة لأول مرة بهجوم جوي، مما أسفر عن 18 شهيداً و 64 جريحاً. تكررت الهجمات الجوية في 3 و 6 أكتوبر، وصولاً إلى 7 أكتوبر 1980م، حيث تعرضت دزفول لأول هجوم بـ صواريخ فروغ-7 (Frog-7) العراقية.[11] يُسجَّل هذا الهجوم كأول استهداف صاروخي لمدينة بعد الحرب العالمية الثانية.[12] وقد أسفر عن 105 شهداء و 300 جريح، مما دفع جزءاً من السكان إلى إخلاء المدينة والنزوح إلى مواقع أكثر أمناً. في اليوم التالي، هاجمت مقاتلات عراقية مجدداً، لكن نيران الدفاع الجوي الإيراني أسقطت إحداها. فشلت الهجمات الصاروخية الثانية والثالثة في يومي 15 و 21 أكتوبر في إصابة الهدف المدني،[13] لكن الهجمات الصاروخية استؤنفت وتصاعدت في 26 أكتوبر 1980م، حيث تعرضت المدينة لعدة ضربات أسفرت عن 100 شهيد و 250 جريحاً.[14]
بسبب الهجمات العراقية الواسعة على دزفول وضرورة حماية أرواح المدنيين، اتخذ المسؤولون قراراً بترميم وإنشاء الأقبية التقليدية المعروفة باسم "شَوادون". كانت الشوادين عبارة عن أقبية عميقة ومستوية يُدخل إليها عبر 15 إلى 20 درجة سلم. كان عرض مدخلها يتراوح بين 2 و 2.5 متر، وكانت تتصل ببعضها عبر ممر تحت الأرض يُدعى "تال".[15] لتخفيض الخسائر وتسريع عمليات الإصلاح، قام مسؤولو المدينة بتنظيم القوى العاملة المتاحة في المدينة، إلى جانب إطلاق "حملة بناء الشوادين". وفي ساعات الليل، كان التيار الكهربائي يُقطع للتخفي ولتجنب رؤية العدو. كما تولت قاعدة وحدتي الجوية مسؤولية تأمين الأجواء للمدينة خلال هذه الفترة.[16]
في 6 نوفمبر 1980م، بدأ راديو دزفول عمله واستمر فعالاً في إبلاغ الجمهور حتى عام 1982م. أنشأ الراديو، بالتعاون مع محافظة دزفول وقاعدة سلاح الجو الرابعة (وحدتي)، نظاماً يتم بموجبه، بمجرد رصد رادار القاعدة لطائرة معادية أو صاروخ أرض-أرض، يتم إبلاغ الراديو عبر خط هاتفي مخصص لإطلاق "الإنذار الأحمر".[17] خلال الحرب المفروضة، وسّع راديو دزفول نطاق بثه ليشمل شمال خوزستان، ولا يزال نشطاً حتى اليوم.[18] لدعم العمليات القتالية للمجاهدين، شُكّلت لجنة دعم الحرب التابعة لمحافظة دزفول في مقر المحافظة في 16 مارس 1982م.[19]
ظلت المدينة طوال عام 1982م تحت نيران المدفعية والمقاتلات المعادية. كان حجم الهجمات الصاروخية على دزفول كبيراً لدرجة أن 96 شهيداً سقطوا في دزفول من أصل 107 شهداء سقطوا جراء الهجمات الصاروخية على مستوى البلاد بأكملها.[20]
نتيجة للنجاحات في عملية فتح المبين غرب دزفول بتاريخ 22 مارس 1982م، خرجت المدينة من نطاق نيران المدفعية المعادية. في 26 أكتوبر 1982م أطلق العدو أول صاروخ سكود على دزفول، مما أسفر عن 135 شهيداً. كما في 19 ديسمبر 1982م أُطلق صاروخان على منطقة ذات كثافة سكانية عالية في دزفول، مما أدى إلى تدمير 200 وحدة سكنية ومتجر وسقوط 62 شهيداً و 287 جريحاً.[21]
في عام 1983م، شنت القوات العراقية ما مجموعه 9 هجمات صاروخية، بما في ذلك هجوم على الجامع الكبير للمدينة في 22 أكتوبر، مما أسفر عن 57 شهيداً و 695 جريحاً.[22]
في عام 1984م، زاد حجم القصف الصاروخي بشكل كبير؛ ففي 11 فبراير وحده، أُطلقت 5 صواريخ على المدينة، مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المنازل، ومدرسة ابتدائية، ومستشفى، وسقوط عدد كبير من الشهداء. وفي 7 مارس 1985م، أُطلقت 8 صواريخ في وقت واحد على المدينة، مما أسفر عن 19 شهيداً و 66 جريحاً، وتدمير مئات المنازل والمتاجر.[23]
في 2 فبراير 1986م، توفي آية الله السيد مجد الدين قاضي دزفولي، ممثل الإمام الخميني في المدينة. كان قاضي دزفولي يُعتبر ركيزة من ركائز المقاومة في المدينة، حيث لم يغادرها خلال الأزمات، بل امتنع عن دخول الأقبية (الشوادين) في أثناء الهجمات، ووقف إلى جانب الأهالي والمجاهدين في جميع الأيام الصعبة.[24]
في 16 أغسطس 1986م، هاجمت مقاتلة من طراز ميراج عراقية منشآت سد دز، مما أدى إلى أضرار طفيفة، وتم إسقاط الطائرة من قبل وحدات الدفاع الجوي أثناء عودتها.[25]
في 25 سبتمبر 1986م، خرقت طائرات العدو جدار الصوت فوق المدينة، وفي 5 أكتوبر هوجمت وحدة صناعية، مما أدى إلى سقوط شهيد واحد و 15 جريحاً. بلغت الهجمات ذروتها في شهر ديسمبر 1986م، ففي إطار محاولات العدو للثأر من خسائره في عملية كربلاء-5، كثّف العراق من هجماته الصاروخية والجوية على المدينة في الفترة بين 12 و 15-21 ديسمبر.[26]
تقديراً لصمود أهالي دزفول في مواجهة الهجمات، أُقيم في 25 مايو 1987م احتفال رسمي بحضور شخصيات مدنية وعسكرية، وتم نصب لوحة ذهبية في ميدان فتح المبين. ومنذ ذلك الحين، سُجّل هذا اليوم في التقويم الإيراني باسم "يوم المقاومة والصمود - يوم دزفول".[27] في 19 و 21 أغسطس، تعرض مجمّع هف تبه العمالي للهجوم، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من العمال شهداء وجرحى.[28] كما في 9 سبتمبر، استُهدفت معمل سكر دزفول بضربات جوية، مما ألحق بها أضراراً.[29] هذا وتعرضت مدرسة أُميد (الأمل) للقصف الجوي في 11 مارس 1988م، مما أدى إلى إصابة عدد كبير من الطلاب وتدمير جزء من المبنى.[30]
سُجل آخر هجوم جوي للعدو على دزفول في الحرب المفروضة بتاريخ 15 يوليو 1988م. وقد أسفر انفجار قنبلة عنقودية للعدو في هذا الهجوم عن استشهاد طفلتين تتراوح أعمارهما بين[31] 3 و 10 سنوات.[32]
خلال 2700 يوم من صمود أهالي دزفول، تعرضت المدينة لـ 176 هجوماً صاروخياً، و489 ضربة بالقنابل والصواريخ الجوية، و2500 قذيفة مدفعية[33] وقدمت المدينة في المجموع 2600 شهيد، و4000 مُصاب، و452 أسيراً محرراً، و147 مفقوداً للإسلام والثورة.[34]
ابتداءً من مارس 2002م، تم إنشاء قسم جوي ضمن حملة "قافلة راهيان نور" في قاعدة وحدتي الجوية بدزفول، تخليداً لبطولات القوة الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.[35]
بعد الحرب المفروضة، أُنشئت رموز تذكارية في أنحاء المدينة إحياءً لذكرى مقاومة السكان، ومن هذه الرموز: "نصب الشهداء المجهولين" في شارع رودكي، و"ميدان المقاومة" أو "دوار الصواريخ" بالقرب من مسجد الرسول الأعظم (ص)، و"نصب الألف" بالقرب من حمام كرناسيان، وهو يرمز إلى التهديدات الصاروخية للعدو خلال الدفاع المقدس.[36]
من بين الأعمال المنشورة عن دزفول يمكن الإشارة إلى كتاب "ألف دزفول" لعبد الرضا سالمي نجاد (صادر عن منشورات أوان جنوب)، وكتاب شبهای موشکباران (ليالي القصف الصاروخي) لعظيم محمودزاده شيرازي وعبد الرحيم سعيدي (صادر عن أوان جنوب)، وكتاب خطبههای مقاومت (خطب المقاومة) وهو مجموعة خطب صلاة الجمعة لإمام جمعة المدينة الراحل الفقيد آية الله قاضي دزفولي، الذي جمعه سعيد ومحمد حسين درتشين (صادر عن منشورات سرو دانا).
[1] زمان رشيديان، نيره، نگاهی به تاریخ خوزستان(نظرة على تاريخ خوزستان)، طهران، نشر بوعلي، ط 1، 1367 ش / 1988م، ص 112.
[2] سالمی نجاد، عبدالرضا، دزفول: گزارشی از شهر مقاوم دزفول در جنگ شهرها 1367-1359 )دزفول: تقرير عن المدينة الصامدة في حرب المدن 1980-1988م)، طهران، مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس (مركز وثائق وبحوث الحرس الثوري)، 1397 ش / 2018م، ص 26.
[3] زمان رشيديان، نيره، المصدر نفسه، ص 191.
[4] المصدر نفسه، ص 114-116.
[5] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 27 و 28.
[6] زمان رشيديان، نيره، المصدر نفسه، ص 118.
[7] ماهنامه صنايع هوایی(مجلة الصناعات الجوية)، السنة الحادية والعشرون، ع 249، مايو 2012م / أرديبهشت 1391 ش، ص 46.
[8] المصدر نفسه، ص 16.
[9] المصدر نفسه، ص 10.
[10] لطيف پور، أحمد، دزفول دژ استوار روزشمار حملات هوایی، توپخانهای و موشکی به شهر مقاوم دزفول در هشت سال دفاع مقدس (دزفول: الحصن المنيع؛ سجل يوميات الهجمات الجوية والمدفعية والصاروخية على مدينة دزفول الصامدة في سنوات الدفاع المقدس الثماني)، طهران، نشر نيلوفران، 1396 ش / 2017م، ص 15.
[11] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 21، 28، 30، 32، 33.
[12] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 153.
[13] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 49 و 50.
[14] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 160.
[15] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 39.
[16] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 168، 171، 239.
[17] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 61.
[18] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 333.
[19] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 129.
[20] المصدر نفسه، ص 187.
[21] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 191، 194، 195، 200.
[22] المصدر نفسه، ص 204، 205، 209.
[23] المصدر نفسه، ص 223 و 224.
[24] المصدر نفسه، ص 185.
[25] المصدر نفسه، ص 195.
[26] المصدر نفسه، ص 262 و 263.
[27] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 203.
[28] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 275.
[29] المصدر نفسه، ص 274.
[30] المصدر نفسه، ص 276.
[31] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 224.
[32] المصدر نفسه.
[33] سالمی نجاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 19 و 277.
[34] المصدر نفسه، ص 19.
[35] ماهنامه صنايع هوایی(مجلة الصناعات الجوية)، السنة الثالثة والعشرون، ع 272، أبريل 2014م / فروردین 1393 ش، ص 3.
[36] لطيف پور، أحمد، المصدر نفسه، ص 126 و 215.
