الأحداث حسب الأيام
حادثة السابع من مهر
محسن شیرمحمد
2 دورہ
في يوم 29 سبتمبر 1981م (7 مهر 1360ه.ش) سقطت طائرة نقل عسكرية من طراز C-130 تابعة للجيش الإيراني بالقرب من ميدان «تیر» في كهريزك جنوب طهران، و كانت تقلّ 76 راكبًا، من بينهم عدد من أبرز القادة العسكريين في البلاد الذين ارتقوا شهداء في الحادث.
تُعَدّ حادثة سقوط طائرة الـ C-130 و استشهاد كبار قادة الجيش و الحرس الثوري في 29 سبتمبر 1981م، واحدةً من أهم الأحداث التي طبعت ذاكرة الدفاع المقدّس. فبعد عملية ثامن الأئمة (ع) الناجحة، و التي أدّت إلى كسر حصار آبادان في أكتوبر 1981(مهر 1360ه.ش) قرّر عدد من القادة الكبار في الجيش و الحرس الثوري، و منهم: العميد ولي الله فلاحي (رئيس أركان الجيش)، و العقيد جواد فكوري (قائد القوة الجوية)، و العقيد موسى نامجو (وزير الدفاع) و يوسف كلاهدوز (نائب قائد الحرس الثوري)، و محمد جهانآرا (قائد حرس خرمشهر)، أن يتوجّهوا إلى طهران للقاء الإمام الخميني (قده)، ثم السفر إلى مشهد لزيارة الإمام الرضا (ع).[1]
و في مطار الأهواز، و نظرًا لعدم جاهزية الطائرة الخاصة التي كانت مخصصة لنقلهم، قرّر القادة السفر على متن طائرة C-130 كانت تقلّ عددًا من الجرحى و المقاتلين من أبناء الإسلام متوجهة إلى طهران.[2]
كان قائد الطائرة من طراز C-130 هو النقيب «علي صولتي» و معه مساعدا الطيار الملازم الأول «محمود خرمدل» و الملازم الأول «مصطفى إيزديفر».[3] أقلعت الطائرة 29 سبتمبر 1981م (7 مهر 1360ه.ش) عند الساعة 12:30 ظهرًا من مطار مهرآباد بطهران، و بعد ثلاث ساعات و نصف من الطيران عبر مسار طهران – بوشهر – الأهواز، هبطت في مطار الأهواز. و بعد توقّف دام نحو ساعة و خمس عشرة دقيقة، أقلعت مجددًا متوجهة إلى طهران و هي تحمل 22 جثمانًا لشهداء، 27 جريحًا من مقاتلي الجبهة و 40 راكبًا و 9 من طاقم الطائرة، أي ما مجموعه 76 شخصًا على متنها.
بعد نحو ساعة من بدء الرحلة، سمع الطيار و أفراد الطاقم صوت انفجار في الجهة اليمنى من قمرة القيادة عند مكان الفيوزات الكهربائية و تم الاتصال بقاعدة «مهرآباد» لإبلاغهم بأن التيار الكهربائي انقطع و جميع المحركات توقفت عن العمل.[4]
تُشير بعض المصادر إلى أن طيّاري طائرات الفانتوم الذين كانوا يحلّقون في أجواء طهران في تلك اللحظات،رصدوا جسمين مضيئين مجهولين في السماء.[5] و بناءً على أوامر برج المراقبة في قاعدة مهرآباد، تم إرسال إحدى طائرات الفانتوم لتتبّع ذلك الجسم، إلا أن النظام الإلكتروني و الرادار تعطّل بسبب تأثير الإشعاع الصادر عن الجسم المضيء، فعادت الطائرة إلى القاعدة. و قد تزامن انقطاع الكهرباء في طائرة C-130 مع توقف رادار الفانتوم.[6]
و بناءً على طلب قائد الطائرة، صعد العقيد «جواد فكوري» إلى قمرة القيادة لتقييم الوضع، ثم بدأ مع أحد أفراد الطاقم بمحاولة إنزال عجلات الطائرة يدويًا[7] و في تلك الأثناء، طلب قائد الطائرة من القادة الكبار لأسباب أمنية أن ينتقلوا إلى قمرة القيادة، لكنهم رفضوا ذلك و فضّلوا البقاء بين المقاتلين و الجرحى الآخرين.[8]
بعد لحظات، و بقرار من طاقم الطائرة للقيام بهبوط اضطراري في منطقة صحراوية بالقرب من ميدان «تیر» في كهريزك، اصطدمت الطائرة بالأرض الطينية و هي على عجلات شبه مفتوحة في هبوط شديد.تمكن الطيار و طاقم الطائرة في ظلام الليل من تخفيف قوة الاصطدام و منع الطائرة من التحطم الكامل، لكن مباشرة بعد الاصطدام، انطوت عجلات الطائرة و بدأت الطائرة بالانزلاق على بطنها لمسافة نحو 10 أمتار و تصطدم بحفرة قديمة (قنات متروكة).
نتيجة هذا الاصطدام، انقلبت الطائرة على جناحها الأيسر، فاصطدم مروحة المحرك الأول و طرف الجناح الأيسر بالأرض، مما أدى إلى تمزق الجناح الأيسر، و تسرب الوقود و اندلاع النار في الجزء الخلفي من الجناح.
و في النهاية، انزلقت الطائرة نحو 200 متر على بطنها، و وقعت مؤخرة و جسم الطائرة ضمن حريق ناجم عن تسرب الوقود من الجناح الأيسر، مما أغلق الطريق أمام أي محاولة للنجاة. بعد توقف الطائرة، تمكن الطيار و مساعده من الخروج من نوافذ المقصورة الأمامية، و سارعوا لمساعدة الناجين الذين خرجوا من الشقوق خلف المقصورة و تحت الجناح الأيمن. أما الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الحركة بسبب الإصابات الناتجة عن الصدمات أو سقوط حمولات و توابيت الشهداء، فقد احترقوا و استشهدوا داخل اللهب الذي اجتاح سريعًا الجناح الأيسر و جسم الطائرة و ذيلها نتيجة انفجار الوقود.[9]
بعد دقائق من الحادث، و حين فشلت محاولات الاتصال بالطائرة، تم طلب مساعدة طائرتي F- 4 فانتوم للتفتيش في المنطقة. و في الساعة 19:47 أبلغ طيار إحدى الطائرتين عن رؤية حريق مستمر و امتداد لهب طويل.[10]
في الساعة 20:30، تم إرسال مروحية «شنوك» واحدة و مروحيتان من طراز بل-214 إلى موقع الحادث لمساعدة الناجين.[11]بحضور فرق الإطفاء، تم إخماد الحريق، و تم نقل الجرحى بواسطة المروحيات،[12] ولكن تم إنقاذ 27 شخصًا فقط من ركاب الطائرة على قيد الحياة، و استُشهِدوا لاحقًا خمسة منهم نتيجة الإصابات.[13] كان من بين الشهداء العميد «ولي الله فلاحي»، العقيد «جواد فكوري»، العقيد «موسى نامجو»، «يوسف كلاهدوز» و «محمد جهانآرا».[14]
عقب وقوع الحادث، وصف الإمام الخميني (قده) في رسالة له هؤلاء القادة بأنهم خدم مخلصون و شجعان، والذين تقدّموا بشجاعة و وفاء في سبيل الثورة و خدمة الوطن الإسلامي حتى رحلوا إلى جوار الله تعالى. [15]أما بخصوص أسباب الحادث و طريقة وقوعه، فقد ذُكرت عدة تفسيرات متباينة، منها: تخريب، إطلاق نار من الدفاع الجوي الداخلي، أو هجوم الطائرات العراقية. و في حين تم الإعلان في ذلك الوقت أن سبب سقوط الطائرة هو هجوم طائرات القوة الجوية العراقية، أفاد طاقم الرحلة بأنهم تمكّنوا بعد حدوث انفجار من الهبوط بالطائرة في منطقة كهريزك، على الرغم من أن شدة الاصطدام بالأرض أودت بحياة العديد من الركاب.
بعد هذا الحادث، قامت فريق من القوة الجوية للجيش الإيراني بدراسة الحادث. و قد استبعد الفريق، استنادًا إلى الوثائق و الأدلة، فرضية التخريب أو إسقاط الطائرة بواسطة الدفاع الجوي الداخلي، و اعتُمد أن سبب الحادث هو انقطاع الكهرباء في الطائرة، نتيجة سبب غير معروف و خطأ الطاقم في التعامل مع الموقف أثناء الهبوط الاضطراري و محاولة إصلاح الأعطال و لإجراء دراسة مستقلة، دُعي أيضًا وفد من القوة الجوية الباكستانية، و في النهاية، أظهرت نتائج تحقيقاتهم المستقلة عوامل مماثلة كأسباب للسقوط، بينما ظل سبب انقطاع الكهرباء مجهولًا.[16]
و أخيرًا ۲۴ مه ۱۹۸۲(3 خرداد 1361ه.ش) أصدرت القوة الجوية تقريرها النهائي و لم يُحمّل أي شخص مسؤولية الحادثة[17] و في أكتوبر 2015م، تم تدشين نصب تذكاري للقادة الشهداء الذين قضوا في حادثة السابع من مهر («ولي الله فلاحي»، «جواد فكوري»، «يوسف كلاهدوز»، «محمد جهانآرا» و «موسى نامجو») بحضور المسؤولين المدنيين و العسكريين، في منطقة «دوتويه» في كهريزك، مكان حادثة طائرة(C-130) [18] کما تم إنتاج الفيلم الوثائقي «لغز C-130» عام 2018م، من إخراج «سيد مهدي دزفولي» الذي تناول التحقيق في هذا الحادث.[19]
[1] . مجلة شاهد یاران، عروج از خاک به افلاک(الصعود من الأرض إلى السماوات)، العدد 107 و 108، سبتمبر–أكتوبر 2014(شهریور و مهر 1393ه.ش) ص 76–77.
[2] . نفس المصدر، ص 76–77.
[3].القاضي ميرسعيد، سيد حكمت الله، چشمی در آسمان (عين في السماء – ذكرى الأمير اللواء الطيار الشهيد «جواد فكوري»)، طهران، المنظمة السياسية و الإيديولوجية للقوات المسلحة الإيرانية، 2004، ص 177.
[4] . نفس المصدر، ص 178–180.
[5] . نفس المصدر، ص 182–192؛ و «نتائج دراسة حادثة الطائرة التي كانت تحمل الشهيد «جواد فكوري»، مجلة «شاهد یاران»، العدد 134، فبراير 2016، ص 77.
[6] . غلامپور، مهري، در محضر کلنل (في حضرة العقيد: ذكريات شفوية للعميد الطيار «عباس پورعلي»)، مشهد، دار النشر «ستارهها»، 2021، الطبعة الثانية، ص 80–81.
[7] . أميری، سعيد،( نجات معجزهآسا) النجاة المعجزة، مجلة صف، العدد 349، نوفمبر 2009، ص 77.
[8] . كيف مرت اللحظات الأخيرة لحياة قادة الإسلام الشجعان في الطائرة، مجلة صف، العدد 59، نوفمبر 1984، ص17.
[9] . القاضي ميرسعيد، سید حکمة الله، نفس المصدر، ص 179–180؛ مجلة «شاهد یاران»، نفس المصدر، ص 79.
[10] . نفس المصدر، ص 178.
[11] . نفس المصدر، ص 179
[12] . نادعلي، فتح الله، منظومة أنصار، طهران، حوزه هنری سازمان تبلیغات اسلامی(المؤسسة الفنية للإعلام الإسلامي)، 1991، ص 19.
[13] . عروج از خاک به افلاک(الصعود من الأرض إلى السماوات)، مجلة «شاهد یاران»، العدد 107 و 108، سبتمبر–أكتوبر 2014، ص 79.
[14] . شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب(عيون النسر)، طهران، مركز النشر الاستراتيجي للقوات الجوية الإيرانية، 2017، ص 196.
[15] . صحيفة الإمام الخميني (قده)، مجموعة آثار الإمام الخميني (بيانات، رسائل، مقابلات، أحكام، إجازات شرعية و رسائل)، المجلد 15، الطبعة الخامسة، طهران، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، 2010، ص 263–264.
[16].نتائج دراسة حادثة الطائرة التي كانت تحمل الشهيد «جواد فكوري»، مجلة «شاهد یاران»، العدد 124، فبراير 2016، ص 81.
[17] . القاضي ميرسعيد،سید حکمة الله، نفس المصدر، ص 183–192.
[18] . نصب تذكاري لشهداء الدفاع المقدس في «ري» ...»، وكالة أنباء بسيج، 30 سبتمبر 2015، متاح على: www.basijnews.ir/fa/new.
[19] .«لغز C-130 يُدرس و يناقش»، وكالة أنباء إيسنا، 30 سبتمبر 2018، متاح على: www.isna.ir/news/97070905364.
