التسلح
البارجة " فينسينس"
إعداد: سجاد نادري بور
نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
2 دورہ
قامت البارجة الحربية الأمريكية " فينسينس" بإسقاط طائرة الركاب الإيرانية فوق مياه الخليج الفارسي في 12 يوليو 1988م. وراح ضحية هذا الحادث جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 290 راكباً، وقد استُشهد من بينهم 66 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم 12 سنة.
أعلنت الحكومة الأمريكية في عام 1984م أنها ستبدأ تسيير دوريات في المياه الحرة بالخليج الفارسي بهدف حماية الملاحة الدولية من التهديدات المحتملة من طرفي النزاع في الحرب الإيرانية-العراقية. وبعد ثلاث سنوات، تعرضت حاملة الطائرات "ستارك"، وهي في المياه الحرة بالخليج الفارسي، للاستهداف بصاروخين عراقيين بتاريخ 17 مايو 1987م.
في أعقاب هذا الحادث، عززت الولايات المتحدة قواتها العسكرية في المنطقة ومنحت صلاحيات أوسع لقادة السفن الحربية المتواجدة في الخليج الفارسي. وبموجب هذه الصلاحيات، سُمح لهم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية السفينة الخاضعة لسيطرتهم في حال وضوح النية العدائية للطرف المقابل. وكان من ضمن البنود الواردة في هذه التعليمات أن أي طائرة تقترب من أي من السفن الحربية الأمريكية بمسافة تقل عن خمسة أميال بحرية دون أن تكشف عن هويتها ستواجه "إجراء دفاعي مضاد".[1]
دخلت البارجة "فينسينس" مياه الخليج الفارسي في مايو 1988م. بعد قرابة شهرين، في 3 يوليو 1988م، أقلعت الرحلة رقم 655 (إيران إير)، التي كانت تقل 290 شخصاً من بينهم ركاب وطاقم، من مطار بندر عباس متجهة إلى دبي، مع تأخير لمدة 20 دقيقة. أطلقت فينسينس على الفور صاروخين موجهين أرض-جو نحو طائرة الركاب، وفي تمام الساعة 9:54 صباحاً تم إسقاطها ومقتل جميع من كانوا على متنها. شمل الضحايا 254 إيرانياً، و13 إماراتياً، و10 هنود، و6 باكستانيين، و6 يوغوسلافيين، وإيطالياً واحداً، وسقطوا جميعاً في الخليج الفارسي. جدير بالذكر أن طائرة إيران إير ضُربت وهي لا تزال تحلّق ضمن المجال الجوي السيادي الإيراني.[2]
في الرد الأولي، سوغت السلطات الأمريكية قانونياً تصرف بارجة فينسينس، مدعية أن الطائرة المُسقطة كانت مقاتلة وكانت تنوي الهجوم على البارجة. وعندما تأكد أنها طائرة ركاب مدنية، استمر المسؤولون الأمريكيون في الدفاع عن الموقف؛ حيث أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة أن عمل البارجة كان بمثابة دفاع ضروري عن الذات.[3]
يعتقد بعض المحللين أن هجوم السفينة الحربية فينسينس على الطائرة المدنية الإيرانية جاء في إطار تنفيذ استراتيجية وسياسة أمريكا وحلفائها في السنوات الأخيرة من الحرب المفروضة، بهدف منع الانتصار الإيراني وهزيمة العراق. ففي أوائل عام 1987م، عندما حققت القوات الإيرانية تفوقاً على العدو في جبهات القتال وكان من المحتمل أن يواجه العراق هزيمة حتمية، قررت الولايات المتحدة وبعض القوى الأخرى العمل بكل الطرق الممكنة لمنع سقوط العراق وعرقلة قلب موازين القوى في المنطقة لصالح إيران.[4]
رداً على هذا الحادث، أعلنت الحكومة الإيرانية أن "أمريكا لن تكون في مأمن من عواقب عملها الإجرامي"، وطالبت، في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بإرسال وفد خبراء للتحقيق في الأبعاد المختلفة للواقعة.[5]
وفي رد فعل على همسات إنهاء الحرب التي سُمعت بعد الحادث، أرسل الإمام الخميني رداً على رسالة تعزية من آية الله حسين علي منتظري، ذكر فيه أنه "يجب على الجميع أن يكونوا مستعدين لحرب شاملة مع أمريكا"، واعتبر أي إهمال لقضايا الحرب بمثابة خيانة للرسول الأعظم (ص)، وأعلن استعداده لـ"تقديم روحه البسيطة" للمجاهدين.[6]
وكان المجلس الأعلى للدفاع، واللجان المتخصصة في مجلس الشورى الإسلامي، ومنظمة الطيران المدني، من بين السلطات والأجهزة الأخرى التي تفاعلت مع هذه الجريمة.[7] بعد هذه الواقعة، أُعلن الحداد العام ليوم واحد في جميع أنحاء البلاد، وثلاثة أيام في محافظة هرمزجان،[8] وخرج المواطنون للعزاء في مختلف المدن.[9]
بعد ساعات من وقوع كارثة إسقاط الطائرة، قدَّم رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية حينها الأدميرال ويليام كرو، ستة مبررات للإجراء الذي اتخذته السفينة الحربية فينسينس:
1. وجود فرصة زمنية محدودة لا تتجاوز 4 دقائق لغرض التعرف على الطائرة.
2. التعرف الخاطئ على الطائرة من قبل السفينة، حيث اعتُبرت طائرة مقاتلة.
3. حركة الطائرة خارج المسار الجوي الدولي.
4. حركة الطائرة بسرعة عالية وعلى ارتفاع منخفض.
5. اعتبار منطقة وقوع الحادث منطقة حرب، مما يزيد من مخاطر الرحلات المدنية فيها.
6. تحليق مقاتلات إيرانية في زمان ومكان وقوع الحادث.
بسبب هذه المبررات الأمريكية، سارع القائد العام للقوات الجوية الإيرانية آنذاك العميد منصور ستاري إلى إجراء مقابلة مع صحيفة "كيهان" في اليوم التالي للحادث، حيث تناول الأبعاد الفنية للكارثة، وقدَّم ستة محاور للرد على الشبهات التي طرحها الأمريكيون:
1. وجود فاصل زمني مقداره 14 دقيقة للتعرف على الطائرة، وذلك من لحظة إصدار إذن الإقلاع (الساعة 10:10 صباحاً) وحتى لحظة سقوطها (الساعة 10:24 صباحاً).
2. تجهيز الطائرة بـرادار "سي تشارلي" المخصص للطائرات المدنية، وبالتالي عدم إمكانية وقوع خطأ من قبل سفينة فينسينس في هذا التمييز.
3. التأكيد على سقوط الطائرة في موقع يقع فيه الممر الجوي الدولي مباشرة فوقها.
4. التأكيد على أن سرعة الطائرة كانت ضمن المعدل القياسي أثناء صعودها إلى ارتفاع 14 ألف قدم.
5. التأكيد على أن الخليج الفارسي لم يكن منطقة حرب، والاستدلال على ذلك بأداء شركات التأمين الدولية التي لم تعتبر المنطقة منطقة حرب.
6. عدم وجود تحليق لمقاتلات إيرانية في زمان ومكان وقوع الحادث.
في نهاية المطاف، اعتبر قائد القوات الجوية للجيش الإيراني، أن مرافقة السفينة فينسينس لـ 16 مقاتلة عراقية كانت تتحرك على ارتفاع منخفض وبسرعة عالية، مقابل مهاجمتها لطائرة الركاب الإيرانية، هو دليل على الطابع المُتعمَّد للكارثة التي وقعت.[10]
بعد الواقعة، طرحت الحكومة الإيرانية الموضوع في مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو). إلا أن مجلس الإيكاو، الذي كان يدين إجراءات الدول التي أسقطت طائرات مدنية في مواقف مشابهة سابقة، لم يتخذ أي موقف قبل لجوء إيران إليه. علاوة على ذلك، لم يُصدر تقرير الإيكاو أي رأي بشأن معقولية أو عدم معقولية تصرف سفينة فينسينس والخطأ الذي نتج عنه. ولم يعتبر مجلس الإيكاو إسقاط الولايات المتحدة للطائرة الإيرانية انتهاكاً لترتيبات اتفاقية الطيران المدني الدولي (اتفاقية شيكاغو).[11]
وبعد يومين من الحادثة، طلبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في رسالة، عقد جلسة طارئة للبت في الأمر. وفي هذه الجلسة الاستثنائية، وبعد الاستماع لكلمتي ممثلي إيران والولايات المتحدة، اكتفى المجلس بإصدار قرار اقتصر على إبداء الأسف لوقوع هذا الحدث.[12]
بعد وقوع الحادثة، امتنعت حكومة الولايات المتحدة عن دفع تعويضات لشركة الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) أو تحمل المسؤولية، لكنها أعلنت استعدادها لدفع تعويضات مباشرة لعائلات الضحايا. رفضت الحكومة الإيرانية هذا العرض، وفي 17 مايو 1989م، رفعت شكوى إلى محكمة العدل الدولية (ICJ).[13] في نهاية المطاف، وفي 9 فبراير 1996م، وبينما كانت الدعوى الإيرانية ضد أمريكا لا تزال مفتوحة أمام محكمة العدل الدولية، اتفق الطرفان على أن تتنازل إيران عن شكواها مقابل حصولها على مبلغ 131,800,000 دولار أمريكي، منها 61,000,000 دولار كتعويضات تُدفع للعائلات الإيرانية للضحايا. ونتيجة لذلك، تم إغلاق ملف إسقاط الطائرة الإيرانية دون صدور حكم قضائي، بعد دفع التعويض.[14]
لقيت أخبار هذا الحادث صدى واسعاً في بلدان أخرى حول العالم. فقد أبدت الصحف ووسائل الإعلام في بريطانيا، وألمانيا، والاتحاد السوفيتي، والسويد، شكوكها حول تصريحات ومبررات المسؤولين الأمريكيين.[15] وفي الولايات المتحدة أيضاً، طالب بعض أعضاء الكونغرس ومرشحي الرئاسة وكبار المسؤولين العسكريين بتقديم مزيد من التوضيحات والاعتذار من قبل السلطات الأمريكية.[16] أصدرت الحكومات والمسؤولون والشعوب في كل من سوريا، وليبيا، والاتحاد السوفيتي، والصين، وتركيا، واليابان، وفرنسا، وبولندا، واليونان، وسويسرا، وألمانيا الغربية، ونيكاراغوا بيانات أعربت فيها عن أسفها للواقعة وحمّلت الولايات المتحدة مسؤولية ما حدث.[17] في المقابل، امتنعت إيطاليا، وهولندا، ومصر عن إدانة الولايات المتحدة في بياناتها، مشيرة إلى أن تحديد الطرف المذنب يتطلب المزيد من التحقيقات.[18]
بعد انتهاء مهمة البارجة الحربية فينسينس في الخليج الفارسي، قامت السلطات الأمريكية حينذاك بتكريم قائد السفينة ويليام روجرز، حيث منحته ميدالية تقديراً لخدماته للحكومة الأمريكية.[19] وفيما يتعلق بحادثة هجوم البارجة الأمريكية على طائرة الركاب الإيرانية، صدرت مجموعة من الكتب تناولت الموضوع، منها:
"پرواز ٦٥٥ نماد حقوق بشر آمريكايي (الرحلة 655: رمز حقوق الإنسان الأمريكية)، مؤلفو مركز فكر برهان، 2019م. عروس وینسنس (عروس فينسينس)، جواد عليزاده، 2016م. آدمخوار (آكِل البشر)، بيجن كيا، 2015م. مکث روی ریشتر هفتم (توقف عند مقياس ريختر السابع)، محمدرضا آرينفر، 2015م. شلیک کن و فراموش کن (أطلق وانسَ)، خديجة أميرخاني، 2014م. چلچله كاغذي (سنونو من ورق)، مجيد بورولي كلشتري، 2011م. ۲۰ سال پس از فاجعه سقوط ايرباس (20 عاماً بعد كارثة سقوط الإيرباص)، حبيب أحمدزاده، 2008م. ايرباس - 300، مناف يحيى بور، 2006م. عقبنشینی (التراجع)، فائزة أميرخاني، 2015م. پس از پرواز (بعد الرحلة)، منصور نعيمي، 2018م. STORM CENTER: A PERSONAL ACCOUNT OF TRAGEDY & TERRORISM (مركز العاصفة: شهادة شخصية عن المأساة والإرهاب)، ويليام روجرز، 1991م.[20]
كما تم إنتاج فيلم سينمائي بعنوان موج مرده (الموجة الميتة) للمخرج إبراهيم حاتمي كيا عام 2000م[21] ركز على دور السفينة فينسينس
[1] آقائي، السيد داوود، "چالشهاي حقوقي فراروي ايران و آمريكا بر سر پرونده ايرباس(التحديات القانونية التي تواجه إيران والولايات المتحدة بشأن ملف الإيرباص(، مجلة مطالعات روابط بينالملل، 1382 ش / 2003م، ع 22، ص 11.
[2] المصدر نفسه، ص 13-12.
[3] رضائي بيش رباط، صالح، "حادثه ايرباس از آغاز تا پايان(حادثة الإيرباص من البداية حتى النهاية)، فصلية نگين ايران، 1382 ش / 2003م، ع 5، ص 7.
[4] المصدر نفسه، ص 8.
[5] صحيفة الجمهورية الإسلامية، الأحد 14 تير 1367 ش / 3 يوليو 1988م، ع 2637، ص 9.
[6] مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره)، صحيفة الإمام، ج 21، ط 5، طهران، خريف 1378 ش / 1999م، ص 68-70.
[7] صحيفة الجمهورية الإسلامية، الأحد 14 تير 1367 ش / 3 يوليو 1988م، ع 2637، ص 10.
[8] المصدر نفسه، ص 1 و 10.
[9] المصدر نفسه، ص 9 و 11 و 12.
[10] "بازخواني گفتگوي شهيد ستاري درباره جنايت 12 تير" (إعادة قراءة مقابلة الشهيد ستاري حول جريمة 12 تير)، صحيفة وطن امروز، الإثنين 12 تير 1402 ش / 3 يوليو 2023م، ع 3798، ص 5
[11] آقائي، السيد داوود، المصدر نفسه، ص 13.
[12] رضائي بيش رباط، صالح، "حادثه ايرباس از آغاز تا پايان"(حادثة الإيرباص من البداية حتى النهاية)، فصلية نگين ايران، 1382 ش / 2003م، ع 5، ص 11.
[13] آقائي، السيد داوود، المصدر نفسه، ص 14-13.
[14] المصدر نفسه، ص 31 و 30.
[15] صحيفة الجمهورية الإسلامية، الأحد 14 تير 1367 ش / 3 يوليو 1988م، ع 2637، ص 3.
[16] المصدر نفسه .
[17] المصدر نفسه، ص 11.
[18] المصدر نفسه
[19] . https://www.mizanonline.ir/001oeh
[20] . https://www.ibna.ir/vdceex8x7jh8wni.b9bj.html
[21] . http://www.sourehcinema.com/title/title.aspx?id=138109262114
