الأماكن
السعودیة
محسن شیرمحمد
7 دورہ
كانت المملكة العربیة السعودیة خلال الحرب المفروضة التي شنّها العراق على إيران من أهم المموّلین و الداعمین عسكریاً لصدام.
تُعدّ السعودیة دولة عربیة و إسلامیة تبلغ مساحتها نحو 2,149,690 كیلومتراً مربعاً، و یشكّل أتباع المذهب السنّي غالبیة سكّانها، مع وجود أقلیة شیعیة، كما أنّ نظام الحكم فیها ملكي مطلق تحت سلطة أسرة آل سعود.[1]
مع تشكیل دولة المملكة العربیة السعودیة سنة 1928، أُقیمت العلاقات بین إیران وهذه الدولة، و افتتحت السعودیة سفارتها في إیران سنة 1935. و استمرّت هذه العلاقات حتى 1943، حیث انقطعت في ذلك العام بسبب اتهام الوهابیین لأحد الحجّاج الإیرانیین ثم إعدامه. و في 1947 استؤنفت العلاقات بین البلدین من جدید. و بعد تأسیس منظمة أوبك سنة 1960، تطوّرت العلاقات بین الطرفین و اتّسعت لتشمل الجوانب الاقتصادیة أیضاً.[2]
في سبعینیات القرن الرابع عشر الهجري الشمسي و في إطار مبدأ نیكسون (رئیس الولایات المتحدة آنذاك)، اعتُبرت إیران القوة العسكریة، و السعودیة القوة المالیة، الركیزتین الأساسیتین لسیاسة أمریكا في حفظ مصالح الغرب في الشرق الأوسط.[3]
و بعد انتصار الثورة الإسلامیة في إیران، اعتبر «الملك خالد» ملك السعودیة آنذاك، قیام الحکم الإسلامي في إیران مقدّمة لتعزیز التفاهم و التقارب بین البلدین. كما صرّح فهد ولیّ العهد في ذلك الوقت فی تعليقٍ بأنه یُقرّ بالحكومة الجدیدة في إیران و یكنّ احتراماً كبیراً لقیادتها.[4]
و قد أرسل الحکم السعودی هیئة رفیعة المستوى إلى إیران لتقدیم التهنئة بانتصار الثورة الإسلامیة[5]، كما قامت هذه الهیئة بزیارة الإمام الخميني في أبریل 1979 (فروردین 1358 هـ.ش) بهدف إعادة بناء العلاقات.[6]
مع ذلك، كانت الحكومة السعودية كانت تعتبر في باطنها الثورة تهديداً جادّاً لنظامها الداخلي، إذ كان هناك خوف من أن تمتد الثورة إلى بلادها و تزعزع حكمها. و قد ظهر هذا القلق بشكل خاص بعد تأسيس مكتب «جبهة تحرير شبه الجزيرة العربية» و اجتماع حركات التحرير في طهران، مما دفع السعودية لبدء معارضتها الخفية لإيران.[7]
في أغسطس 1980 (مرداد 1359 هـ.ش)، أي قبل شهر واحد من بدء الحرب المفروضة من العراق على إيران، ذهب «صدام حسين» إلى السعودية و عرض خطته الحربية على حكامها.[8]
مع اندلاع الحرب، شهدت العلاقات بين السعودية و إيران أزمة. في بداية الحرب، اتخذت السعودية موقف الحياد الظاهري، لكنها في الواقع دعمت العراق بشكل واسع، و بتقديم قروض ضخمة أصبحت من أهم المموّلين و المسلّحين لصدام.[9]حتى أنّها ساعدت العراق بمبلغ 60 مليار دولار في الفترة من 1981 حتى 1988 (1360-1367 هـ.ش).[10]كما كانت السعودية تستخرج يومياً 280 ألف برميل نفط من المنطقة المحايدة بين العراق و السعودية لصالح العراق و تبيعها، و نقلت يومياً بين 350 و500 ألف برميل من نفط العراق عبر أراضيها.[11]
في 28 أكتوبر 1981( 6 آبان1360 هـ.ش) صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على بيع طائرات AWACS للسعودية.[12]و خلال سنوات الحرب، كانت المعلومات التي تجمعها هذه الطائرات تُقدّم إلى العراق.[13]
دخلت السعودية أيضاً في الحرب ضد إيران من الجبهة الاقتصادية للنفط. في أواخر 1980 (1359 هـ.ش) و بداية 1981 (1360 هـ.ش)، زادت الدول المصدرة للنفط التي لم تكن أعضاء في أوبك إنتاجها للتحكم في السوق، إلا أنّ تخفيض إنتاج أوبك ظل يحافظ على ارتفاع أسعار النفط. تدريجياً، ازداد الإنتاج النفطي و انخفضت الأسعار. قامت السعودية بزيادة إنتاجها و بيع النفط بأسعار أقل، مما دفع جميع أعضاء أوبك للاعتراض، لكن بلا جدوى، و تسارعت حركة انخفاض الأسعار.[14]
قامت الكويت و السعودية بإنتاج النفط بدلاً من العراق و ساعدا على إيصال صادراته عبر خط أنابيب جديد لضمان استمرار تصديره.[15]
كما أنّ السعودية خلال الحرب المفروضة استثمرت كل قدراتها الدبلوماسية لعزل إيران و تقوية نظام البعث في العراق، و اتخذت مواقف و إجراءات ضد الجمهورية الإسلامية في المنظمات الإقليمية و الدولية. غالباً ما اتخذت السعودية مواقف ضد إيران في منظمات مثل جامعة الدول العربية و حركة عدم الانحياز و الأمم المتحدة.[16]
و كانت سيطرة المملكة العربية السعودية على منظمة المؤتمر الإسلامي، و تعديل النظام الأساسي و قوانينها بهدف ممارسة الضغط على إيران، من بين الإجراءات التي اتخذتها.بالإضافة إلى ذلك، كان مجلس التعاون لدول الخليج العربي، الذي تديره السعودية، أحد أهم القنوات التي اتخذت من خلالها المملكة إجراءات ضد إيران.[17]
عقبَ هجمات العراق على ناقلات النفط الإيرانية التي كانت تحمل النفط في الخليجِ الفارسي، ردت إيران بالمثل بدءاً من عام 1363 هجري شمسي.[18]في هذه المقابلة، كانت إيران تستهدف ناقلات النفط السعودية باعتبارها أحد الداعمين للعراق. في 16 مايو 1984 (26 اردیبهشت 1363 هـ.ش)، تعرضت ناقلة النفط «يانبوپرايد» في ميناء «الجبيل» السعودي لهجوم من قبل طائرات فانتوم الإيرانية.[19]و في 22 مايو 1984 (1 خرداد 1363 هـ.ش)، خلال إحدى هجمات إيران على ناقلات النفط السعودية، تم استهداف مقاتلة فانتوم إيرانية بصواريخ من طائرات إف-15 السعودية و تم تدميرها.[20]
في 31 يوليو 1987 (9 مرداد 1366 هـ.ش)،[21]خلال مراسم البراءة من المشركين، هاجمت شرطة المملكة العربية السعودية[22] الحجاج الإيرانيين، مما أدى إلى استشهاد 400 إيراني.[23] عقب ذلك، و في مايو 1988 (اردیبهشت 1367 هـ.ش)، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين إيران و السعودية [24]و استمرت لمدة ثلاث سنوات.[25]
رداً على مذبحة الحجاج، قررت إيران تدمير منشآت ميناء النفط في «الخفجي» على ساحل الخليج الفارسي بواسطة هجوم شمل 300 زورق سريع تابع للحرس الثوري.[26] في 2 أكتوبر 1987 (10 مهر 1366 هـ.ش)، انطلقت زوارق الحرس الثوري نحو ميناء «الخفجي» لكن العملية تم اكتشافها بواسطة طائرات أواكس السعودية، و بسبب وجود المقاتلات و السفن الأمريكية و السعودية، تم إلغاء الهجوم.[27]
في عام 1991 (1370هـ.ش)، بعد غزو العراق للكويت و احتلال هذا البلد، ساهمت مواقف إيران في الدفاع عن حق السيادة الكويتي في تغيير موازين القوى في المنطقة لصالح إيران.[28]و عُيدت العلاقات بين السعودية و إيران في 26 مارس 1991 (6 فروردین 1370 هـ.ش).[29] و في 2 فبراير 1991 (13 بهمن 1369 هـ.ش)، خلال مؤتمر صحفي، اعترف الملك «فهد» ملك السعودية بدعمه الشامل للعراق في الحرب مع إيران، و أعرب عن أمله أن تتجاوز الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأحداث المؤلمة التي ألقت بظلالها على العلاقات السابقة بين إيران و دول الخليج الفارسي.[30]
في تسعينيات القرن العشرين، و بعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية، و مع المبادرات التي اتخذت خلال فترة رئاسة حجتالاسلام «اکبر هاشمي رفسنجاني» و خصوصاً بعد غزو العراق للكويت، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التعاون و بناء الثقة. اعتقدت السعودية أنه مع التغيرات في النظام الدولي بعد سقوط الشيوعية و التحولات الإقليمية، أصبح بالإمكان رسم علاقات جديدة.
من جهتها، سعت إيران إلى خفض التوتر في علاقاتها مع دول المنطقة، خصوصاً السعودية، مؤكدة أن سياسة تصدير الثورة لا تعني التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، و سعت من خلال ذلك إلى تحسين علاقاتها مع الدول الإسلامية و العربية في غرب آسيا و الخليج الفارسي.
استمر هذا الاتجاه لتحسين العلاقات حتى منتصف التسعينيات (العقد السابع من القرن الرابع عشر الهجري الشمسي)، حيث حاول الطرفان، رغم وجود بعض الخلافات، معالجة الغموض و تقريب وجهات النظر. إلا أن سياسات السعودية الموالية للولايات المتحدة، و استمرار التدخل في شؤون الخليج، و محاولتها استبدال إيران في أسواق النفط و فرض سيطرتها على السوق الإيرانية، بالإضافة إلى الترويج للوهّابية، أدت إلى تدهور العلاقات مجدداً.[31]
[1] . شیرعلینیا، جعفر، موج سرخ - روایت جنگ در خلیج فارس (الموج الأحمر – رواية الحرب في الخليج الفارسی)، طهران، فاتحان، 2012، ص 109.
[2] . خشتزر، بهروز، بررسی و مقایسه تقابل سیاسی جمهوری اسلامی ایران و عربستان در دوران دفاع مقدس و بیداری اسلامی در منطقه خاورمیانه (دراسة مقارنة للمواجهة السياسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و السعودية خلال فترة الدفاع المقدس و يقظة العالم الإسلامي في الشرق الأوسط)، طهران،مؤسسة حفظ آثار و نشر قیم الدفاع المقدس، 2021، ص 31.
[3] . اخوان کاظمی، بهرام، مروری بر روابط ایران و عربستان در دو دهه اخیر (عرض لعلاقات إيران و السعودية في العقدين الأخيرين)، طهران، مرکز چاپ و نشر سازمان تبلیغات اسلامی (مركز الطباعة و النشر التابع لمنظمة الدعوة الإسلامية)، 1994، ص 12–17.
[4] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32.
[5] شیرعلینیا، جعفر، المصدر نفسه، ص 109.
[6] . صادقی، شفیع و دیگران، واکاوی روابط جمهوری اسلامی ایران و عربستان سعودی در دهه نخست پس از پیروزی انقلاب اسلامی ایران (تحليل علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية و السعودية في العقد الأول بعد انتصار الثورة الإسلامية)، فصلنامه پژوهشهای تاریخی (مجلة البحوث التاريخية)، العدد 33، ربيع 2017، ص 7.
[7] . المصدر نفسه.
[8] . شیرعلینیا، جعفر، المصدر نفسه، ص 110.
[9] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32.
[10] . رازو، پیر، جنگ ایران و عراق (حرب إيران و العراق)، ترجمة «عبدالحمید حیدری وعلی أحمدی» طهران، مرز و بوم (الوطن)، 2018، ص 207.
[11] . شتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32
[12]. شیرعلینیا، جعفر، المصدر نفسه، ص 111
[13]. المصدر نفسه، ص 112.
[14] . المصدر نفسه، ص 112.
[15] . المصدر نفسه، ص 113.
[16] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32 و40.
[17] . المصدر نفسه، ص 40.
[18] . ناویاس، مارتین اس و ای.آر هوتن، جنگ نفتکشها (حرب ناقلات النفط)، ترجمة «پژمان پورجباری و رحمت قره، طهران، بنیاد حفظ آثار و نشر ارزشهای دفاع مقدس(مؤسسة حفظ آثار و نشر قیم الدفاع المقدس)، 2013، ص 154–155.
[19]. المصدر نفسه، ص 156 و165.
[20] . رازو، پیر، المصدر نفسه، ص 548–549.
[21] . خوان کاظمی، بهرام، المصدر نفسه، ص 31.
[22] . شیرعلینیا، جعفر، المصدر نفسه، ص 114.
[23] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32.
[24] . اخوان کاظمی، بهرام، المصدر نفسه، ص 31.
[25] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32.
[26] وکالة أنباء فارس، حمله به بندر نفتی الخفجی؛ طرح سپاه برای انتقام کشتار حجاج از عربستان (الهجوم على ميناء الخفجي النفطي؛ خطة الحرس للانتقام لمجزرة الحجاج)، 5 أكتوبر 2015، www.farsnews.ir/news/13940712001118.
[27] . وکالة أنباء فارس، المصدر نفسه؛ رازو، پیر، المصدر نفسه، ص 735–736.
[28] خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 32.
[29] . افشاری، پرویز، سفیر بدون سفارت وکیل بدون موکل (سفير بلا سفارة و محامٍ بلا موكّل)، طهران، انتشارات کویر، 2015، ص 55.
[30] . خشتزر، بهروز، المصدر نفسه، ص 45.
[31] .المصدر نفسه، ص 56.
