التسلح
الاستطلاع الجوي المصور
إعداد: محسن شيرمحمد
نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
4 دورہ
كان للصور الجوية أثناء الحرب دور جوهري في رسم الخطط العملياتية المتنوعة واستبيان التقديرات الأخيرة لقوات الخصم في مسارح المعارك.
يُطلَق مصطلح التصوير الجوي على كل لقطة تُؤخذ عبر وسيلة طائرة. وتنقسم الصور الجوية بحسب زاوية الالتقاط إلى أنواع: المائلة، والمنحرفة، والعمودية.[1]
ينقسم التصوير الجوي من الناحية العسكرية إلى فئتين رئيسيتين: الاستراتيجي والتكتيكي. يهدف التصوير الجوي الاستراتيجي إلى إعداد خرائط دقيقة لانتشار المنشآت الصناعية والعسكرية، وموارد التموين، وخطوط الاتصال، والقواعد، ومحطات الرادار، والتركيزات الرئيسية للقوات، والنقاط الطبيعية والصناعية الهامة ذات القيمة العسكرية في عمق أراضي العدو. أما التصوير الجوي التعبوي أو التكتيكي فيُنفذ على خطوط الجبهة، وذلك عندما يحتاج مقر القيادة إلى فحص دقيق للمنطقة لوضع خطط العمليات، ويشمل تحديد انتشار المواقع والتحصينات، وحركة النقل والمواصلات، والتسليح والمعدات، وخطوط اتصال العدو، وغيرها.[2]
يعود تاريخ التصوير الجوي في العالم إلى عام 1858م. وقد التُقطت أول صورة جوية على يد الفرنسي فيليكس نادار من على متن منطاد مقيّد.[3] وفي وقت لاحق، بدأ استخدام الطائرات كذلك في عمليات التصوير الجوي.[4]
في عام 1958م، ومع دخول الطائرات النفاثة من طراز آر تي-33 إلى إيران، تم تشكيل الكتيبة 11 للاستطلاع في القوة الجوية للجيش، وبدأت هذه الوحدة عمليات التصوير الجوي. وتعززت قدرة كتيبة الاستطلاع في التصوير الجوي بدخول طائرات آر إف-5 عام 1968م وطائرات آر إف-4 عام 1971م.[5] وكانت الكتيبة 11 للاستطلاع تتكون هيكلياً من قسم الطيران (المؤلف من طياري آر إف-4 وآر إف-5)، وقسم تحليل الصور وتفسيرها، والمختبر. وكانت شعبة الكاميرات تابعة لكتيبة الصيانة ولكنها كانت على اتصال وثيق بكتيبة الاستطلاع.[6]
وقد التقطت هذه الوحدة صوراً جوية أثناء حرب ظفار (1973م-1976م)، التي شارك فيها الجيش الإيراني، حيث أوضحت مواقع انتشار القوات المعارضة وخطوط إمدادها اللوجستية.[7] علاوة على ذلك، التُقطت صور دقيقة لجميع الأهداف الرئيسية في الأراضي العراقية قبل الثورة الإيرانية.[8]
طوال سنوات الحرب المفروضة الثماني، اضطلعت الكتيبة 11 للاستطلاع التعبوي التكتيكي بمهام متخصصة في التصوير الجوي لجبهات القتال وفي عمق الأراضي العراقية.[9] بعد الهجوم الجوي العراقي في 22 سبتمبر 1980م، تم في صباح اليوم التالي، 23 سبتمبر 1980م، إطلاق الرمز "كمان 99" إلى القواعد الجوية، وبدأت القوة الجوية الإيرانية عملية جوية واسعة النطاق ضد القواعد العسكرية للعدو.[10] ولتحديد نتائج هذه العملية، كانت هناك حاجة ماسة إلى صور جوية لتمكين ضباط الاستخبارات والعمليات من إجراء تقييم دقيق لحجم الخسائر والأضرار التي لحقت بالعدو. وقد نُفذت أول طلعة من طلعات الاستطلاع للتصوير الجوي في ذلك اليوم بواسطة طائرة آر إف-4 فوق قاعدة الحبانية العراقية؛ وتم تصوير بعض المناطق التي تعرضت للقصف، وزُوِّد بها المسؤولون المعنيون لاستخدامها في تخطيط العمليات اللاحقة.[11]
في سياق العمليات البرية المختلفة وقصف مواقع العدو، كان الحصول على معلومات حول وضع الطرف المقابل أمراً بالغ الأهمية. وكان التصوير الجوي إحدى الوسائل الرئيسية للحصول على هذه المعلومات، إذ كان يحدد شكل، وموقع، ومواضع، وتشكيلات قوات العدو.[12] على سبيل المثال، تطلّب تخطيط عملية ثامن الأئمة صوراً جوية، لأنها كانت تكشف أحدث تحركات الجيش العراقي بالإضافة إلى تحديد مواضعه. وكانت قيادة فرقة خراسان 77 (قائدة العملية) تطالب بتنفيذ طلعات استطلاع يومية. وقد نُفذت هذه الطلعات بشكل شبه يومي؛ ولأن المعلومات كانت يجب أن تصل بسرعة إلى هيئة أركان الفرقة 77، كان فنيو التصوير يقومون بإنزال مخازن الكاميرات فور هبوط الطائرة آر إف-4 في مطار مهرآباد، ومن ثم تظهير الأفلام في المختبر.
بعد تظهير الصور وتجهيزها، كان ضباط تفسير الصور يقومون بتحليل أولي، وتُرسَل هذه الصور مع ملحقاتها ليلاً بواسطة طائرة جت فالكون إلى قاعدة أميدية، ومن هناك تُنقل برياً إلى مقر قيادة الفرقة 77 بالقرب من ماهشهر. وفي المقر، كان ضباط الاستخبارات بالفرقة يعملون على الصور، حيث تُدوَّن عليها الإحداثيات الجغرافية للمواقع، والمقرات، ووحدات الاحتياط، وحتى مواقع المدافع للعدو.[13] وكانت هذه الإحداثيات تُقدَّم إلى سلاح المدفعية لتنفيذ نيران مركّزة على النقاط المحددة عند بدء العملية.[14]
اُستُخدِم التصوير الجوي كذلك في العمليات البحرية. فعلى سبيل المثال، في 20 نوفمبر 1980م، نفّذت طائرة آر إف-4 مهمة تصوير فوق أرصفة مينائي البكر والأُميّة العراقيين، بالإضافة إلى موانئ أم القصر والفاو والسواحل الكويتية، وذلك بناءً على طلب القوة البحرية للجيش. وقد استُغِلَّت الصور المُلتقطة في هذه الطلعة لاحقاً في عملية مرواريد بتاريخ 28 نوفمبر 1980م، والتي أسفرت عن تدمير الجزء الأعظم من القوة البحرية العراقية.[15]
لعب التصوير الجوي دوراً بارزاً في تصميم العمليات. فعلى سبيل المثال، في 28 مارس 1982م، عند مراجعة الصور الملتقطة لمنطقة خوزستان بواسطة طائرة آر إف-4، تبين أن الطائرة لم تنجح في تصوير منطقة هور العظيم. ولكن في طريق العودة وأثناء المرور فوق نهر كارون، التقطت كاميرات الطائرة صوراً واضحة وهامة جداً للضفة الغربية لهذا النهر، من شمال دار خوين حتى شمال خرمشهر. بعد دراسة إحدى هذه الصور في مقر قيادة كربلاء، تبيّن وجود فجوة في خطوط العدو؛ حيث لم يكن الجيش العراقي متواجداً في جزء من الضفة الغربية لنهر كارون. وقد أدت هذه الصورة القيمة جداً إلى تحديد ثغرة في خطوط العدو، مما أسفر عن تغيير في خطة عمليات بيت المقدس، وفتح نافذة أمل لتحقيق النجاح في هذه المعركة الكبرى.[16] وفي سياق عملية بيت المقدس، كشفت الصور الملتقطة بواسطة طائرات آر إف-4 في النصف الثاني من مايو 1982م، عن وجود جسر عائم يربط بين ساحل خرمشهر والأراضي العراقية، وقد اكتشفه مفسرو الصور الجوية. وكان هذا الجسر المكوّن من عدة قطع مُثبَّتاً بمهارة عبر ربط عدة جزر في أروند رود لدعم القوات العراقية. وبعد تحديد موقعه، صدر الأمر بتدميره، وعلى إثر ذلك، قامت مقاتلتان من طراز فانتوم إف-4 بقصف الجسر وتدميره في 24 مايو 1982م.[17] وقد أحدث تدمير هذا الجسر أثراً سلبياً كبيراً في معنويات القوات العراقية المحاصرة في خرمشهر، وكان عاملاً حاسماً في استسلامها.[18]
في بعض الحالات، ساهم التصوير الجوي في إنقاذ حياة آلاف المجاهدين. فدراسة الصور الجوية الملتقطة بتاريخ 29 يوليو 1982م أثناء عملية رمضان كشفت عن وجود فجوة في الخطوط الأمامية بين القوات الإيرانية بسبب عدم الالتحام في الخط الأمامي، وهو ما كان سيؤدي إلى كارثة إنسانية في حال شن العدو هجوماً مضاداً. تمت متابعة الأمر على الفور، وصدرت الأوامر بالانسحاب التكتيكي من المنطقة.[19]
ابتداءً من عام 1984م، بدأت أولى طلعات الطائرات المسيّرة لأغراض التصوير في إيران، حيث تم استخدام أول طائرة مسيّرة أُطلق عليها اسم "تلاش" في الحرس الثوري، وكانت تحمل كاميرات تصوير عادية وأفلاماً عيار 135ملم.[20] وكان المدى الأقصى لطائرات "تلاش" المسيّرة 5 كيلومترات، وكانت تحلق غالباً فوق خطوط الجبهة.[21] في عمليتي كربلاء-4 وكربلاء-5، وفر التصوير التناظري الذي التقطته الطائرات المسيّرة لتوزيع قوات الجيش البعثي معلومات قيّمة جداً للقادة في الحرس الثوري، ما أدى إلى تغيير تكتيكات وتشكيلات القوات في المحاور التي انكشفت خططها.[22] وقد كان طراز "مهاجر" هو النموذج التالي للطائرات المسيّرة الذي دخل الخدمة في الحرس الثوري بدءاً من عام 1987م.[23] وبلغ إجمالي المهام المنفذة بواسطة الطائرات المسيّرة في الحرب المفروضة 619 مهمة، وغطت مساحة استطلاعية بلغت 18,570 كيلومتراً مربعاً، وحصيلة الصور التي تم الحصول عليها 53,772 صورة.[24]
خلال السنوات الثماني للحرب المفروضة، لم توقف العوائق المتمثلة في قلة الكوادر الجوية (الطيارين)، وشح معدات الاستطلاع، والعقوبات التسليحية، تنفيذ الطلعات الجوية الاستطلاعية. عرض طيارو طائرات آر إف-4 وآر إف-5 حياتهم للخطر في كل مرة لإنجاز مهمات التصوير والعودة بالبيانات والصور والطائرة دون أضرار.[25] استمر هذا الجهد العملياتي حتى نهاية الحرب، حيث نُفذت آخر طلعة تصوير جوي في فترة الدفاع المقدس بتاريخ 9 أغسطس 1988م.[26]
بلغ عدد الشهداء من طياري الكتيبة 11 للاستطلاع 16 طياراً سقطوا أثناء التقاط الصور فوق أراضي العدو، ومن أبرزهم الشهيد الرائد فريدون ذوالفقاري.[27]
كانت الإمكانيات العراقية في التصوير الجوي قبل الحرب محدودة واعتمدت على حفنة من طائرات ميغ-21. لكن الجيش العراقي عزز أسطوله خلال الحرب بطائرات ميغ-25 السوفيتية وميراج الفرنسية، والتي منحت القوة الجوية قدرات استطلاع متقدمة. واستغلت طائرات ميغ-25 سرعتها الفائقة وارتفاع طيرانها المرتفع، حيث لم يكن بمقدور منظومات الدفاع الجوي والمقاتلات الإيرانية اعتراضها، مما سمح لها بتنفيذ رحلات استكشافية حرة فوق الأجواء الإيرانية.[28]
[1]رستمي، محمود، فرهنگ واژههاي نظامي(قاموس المصطلحات العسكرية)، طهران، ستاد مشترك ارتش جمهوري إسلامي إيران (هيئة الأركان المشتركة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ص 578.
[2] شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوائي و عمليات عكسبرداري هوائي در دفاع مقدس (عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوة الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، طهران، مركز منشورات راهبردي نهاجا، 1396 ش / 2017م، ص 68.
[3] شيرمحمد، محسن وسما چراغپور،كبوتران مُشرف (حمائم المشرفة)، شهرية سرباز، ع 247، مرداد 1396 ش / أغسطس 2017م، ص 42.
[4] شيرمحمد، محسن، تاريخچه شناسايي و عكسبرداري هوائي (تاريخ الاستطلاع والتصوير الجوي)، شهریة صنايع هوائي، ع 320، شهريور 1398 ش / سبتمبر 2019م، ص 47.
[5] شيرمحمد، محسن، گردان 11 شناسايي راهكنشي نيروي هوائي در دفاع مقدس (الكتيبة 11 للاستطلاع التعبوي في القوة الجوية خلال الدفاع المقدس)، شهریة صف، ع 433، تير 1396 ش / يوليو 2017م، ص 33.
[6] المصدر نفسه، ص 33.
[7] شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوائي و عمليات عكسبرداري هوائي در دفاع مقدس(عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوة الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، ص 103-105.
[8] المصدر نفسه، ص 100.
[9] المصدر نفسه، ص 9.
[10] المصدر نفسه، ص 136.
[11] المصدر نفسه، ص 137.
[12] المصدر نفسه، ص 9.
[13] المصدر نفسه، ص 193 و 194.
[14] أبوعلي، زهرا، أفسر دالسين: خاطرات سرهنگ محمدجواد إنشائي (الضابط دالسين: مذكرات العقيد محمد جواد إنشائي)، طهران، منشورات أجا، 1389 ش / 2010م، ص 144.
[15] شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوائي و عمليات عكسبرداري هوائي در دفاع مقدس(عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوة الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، ص 150.
[16] المصدر نفسه، ص 210-213.
[17] المصدر نفسه، ص 218.
[18] شيرمحمد، محسن وفاطمه مميزي، عكسبرداري هوائي و طراحي عمليات بيتالمقدس (التصوير الجوي وتخطيط عملية بيت المقدس)، فصلية إقتدار هوائي، ع 15، بهار 1401 ش / ربيع 2022م، ص 18.
[19] شيرمحمد، محسن، عكس هوائي و نجات هزاران رزمنده (التصوير الجوي وإنقاذ آلاف المقاتلين)، فصلية إقتدار هوائي، ع 10، ربيع وصيف 1399 ش / 2020م، ص 60-62.
[20] سالِمينژاد، عبدالرضا، پهپاد در دفاع مقدس: روند شكلگيري و نقشآفريني يگان پهپاد سپاه در دفاع مقدس(الطائرة المسيّرة في الدفاع المقدس: مسار تشكيل وأداء وحدة الطائرات المسيّرة للحرس الثوري في الدفاع المقدس)، طهران، نيلوفران، 1395 ش / 2016م، ص 49.
[21] شيرمحمد، محسن، چشمان سپهر: تاريخ شناسايي و عكسبرداري هوائي در إيران(عيون السماء: تاريخ الاستطلاع والتصوير الجوي في إيران)، طهران، مركز انتشارات راهبردي نهاجا، 1401 ش / 2022م، ص 433.
[22] المصدر نفسه.
[23] سالِمينژاد، عبدالرضا، المصدر نفسه، ص 163.
[24] شيرمحمد، محسن، چشمان سپهر: تاريخ شناسايي و عكسبرداري هوائي در إيران(عيون السماء: تاريخ الاستطلاع والتصوير الجوي في إيران)، ص 434.
[25] شيرمحمد، محسن، چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوائي و عمليات عكسبرداري هوائي در دفاع مقدس(عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوة الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، ص 9.
[26] المصدر نفسه، ص 268.
[27] شيرمحمد، محسن، گردان 11 شناسايي راهكنشي نيروي هوائي در دفاع مقدس(الكتيبة 11 للاستطلاع التعبوي في القوة الجوية خلال الدفاع المقدس)، ص 32.
[28] چشمان عقاب: حماسه گردان 11 شناسايي تاكتيكي نيروي هوائي و عمليات عكسبرداري هوائي در دفاع مقدس(عيون العقاب: ملحمة الكتيبة 11 للاستطلاع التكتيكي للقوة الجوية وعمليات التصوير الجوي في الدفاع المقدس)، ص 201-203.
