الأماكن

الاتحاد السوفيتي

إعداد: عماد عزت آبادي نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
13 دورہ

لعب الاتحاد السوفيتي دوراً حاسماً في الحرب المفروضة على إيران، حيث قام بمساندة العراق على نطاق واسع. شمل هذا الدعم توفير الأسلحة والمعدات، والخبرات الاستشارية لللعسكريين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

كان اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، وعاصمته موسكو، أكبر دولة في العالم، حيث امتدت مساحته البالغة 22,402,200 كيلومتر مربع بين الجزء الشرقي من أوروبا والجزء الشمالي من آسيا والمحيط الهادئ الشمالي. وكان هذا البلد أوروآسيويًا، يقع معظم أراضيه في قارة آسيا.[1] في عام 1972م، حوّل الاتحاد السوفيتي العراق إلى نقطة استراتيجية لتوسيع نفوذه في الخليج الفارسي والمحيط الهندي، وذلك عبر توقيع معاهدة صداقة وتطوير ميناء أم قصر وإمداده بالأسلحة والذخائر.[2] وقبل اندلاع الحرب المفروضة على إيران، كانت لدى الاتحاد السوفيتي أوسع العلاقات مع العراق، وكان يعتبره عضواً في الكتلة الشرقية.[3] ومن بين أوجه الدعم التسليحي السوفيتي للعراق، كان تسليم زوارق أوزا قبل الحرب المفروضة، مما أحدث تطوراً في القدرات البحرية العراقية.[4]

عند اندلاع الحرب المفروضة، أوقف الاتحاد السوفيتي، الذي كان المورد الأضخم للأسلحة للعراق، شحناته التسليحية إلى بغداد ظاهرياً لفترة وجيزة.[5] كان العراق قد عزز علاقته بموسكو قبل الحرب، عبر توقيع معاهدة صداقة وتعاون لمدة 15 عاماً في 1972م، وإقدامه على تأميم النفط، ما قلص نفوذ الدول الغربية.[6] في تلك الأثناء، لم يتوقف الدعم السوفيتي بالكامل؛ فقد وجه الاتحاد السوفيتي حلفاءه في أوروبا الشرقية لتلبية احتياجات العراق، وقام هؤلاء بتوريد دبابات روسية للعراق إما بشكل مباشر أو عبر وساطة المملكة العربية السعودية.[7] استغل العراق زوارق أوزا المسلحة بصواريخ ستيكس لاستهداف سفن إيران التجارية وناقلات نفطها، وهي القدرة التي جُرِّد منها بعد عملية مرواريد الإيرانية في ديسمبر 1980م.[8] ولكن بعد فترة قصيرة، وعقب زيارة مسؤولين عراقيين لموسكو، تم إلغاء قرار وقف إرسال السلاح، وعاد الاتحاد السوفيتي ليقدم دعماً تسليحياً واسعاً للعراق.[9] يُرجح أن استئناف التعاون التسليحي يعود إلى رغبة موسكو في إظهار وقوفها بجانب حلفائها، بالإضافة إلى معاهدة المودة القائمة، ومعارضة العراق لاتفاقية كامب ديفيد. مع ذلك، كان هناك بعض النفور السوفيتي تجاه العراق، بسبب تشدد بغداد ضد الشيوعيين المحليين، ومعارضتها للغزو السوفيتي لأفغانستان، وميل نظام البعث إلى تعميق التعاون مع الغرب، وتحديداً فرنسا.[10]

في عام 1981م، تم الكشف عن تسليم الاتحاد السوفيتي للعراق صواريخ سكود، وصواريخ فروغ 7، وصواريخ مضادة للدبابات، ومروحيات. كما اتضح أن الاتحاد السوفيتي سيسلم العراق قريباً 700 دبابة تي-72، و60 طائرة مقاتلة من طرازي ميغ-23 و ميغ-25، بالإضافة إلى 800 مدفع هاون عيار 122 و 152 ملم، و140 ألف قنبلة يدوية.[11]

وفي أعقاب زيارة طه ياسين رمضان، نائب صدام، إلى موسكو في سبتمبر 1981م، أكد الاتحاد السوفيتي التزامه باتفاقية التسلح القديمة لعام 1972م، وأبدى استعداده لاستكمال المشاريع الاقتصادية في العراق، وأعطى الضوء الأخضر لدول الكتلة الشرقية للتعاون عسكرياً واقتصادياً مع بغداد. وللحيلولة دون تكرار هجوم مماثل للهجوم الصهيوني على المنشآت النووية العراقية، نشر الاتحاد السوفيتي منظومة دفاع جوي معقدة في العراق. حرصت موسكو على إرسال مختلف الأسلحة والذخائر للعراق لمنع هزيمته أمام إيران وتجنب الإخلال بميزان القوى في المنطقة. ومع ذلك، كان الاتحاد السوفيتي يسعى في الوقت نفسه لكسب ود المسؤولين الإيرانيين؛ ولهذا السبب، قدم بشكل متقطع مساعدات تسليحية لإيران عبر بعض حلفائه، مثل سوريا، وكوريا الشمالية، وبولندا، وليبيا.[12]

عقب تحرير خرمشهر من قبل إيران في يونيو 1982م، سارع الاتحاد السوفيتي بتقديم مساعدة مالية أولية بقيمة 1.5 مليار دولار للعراق. تبع ذلك إمداد العراق بطائرات ميغ-23 و ميغ-25، ودبابات تي-72، وصواريخ أرض-أرض وأرض-جو، وكميات هائلة من العتاد والذخائر الأخرى. إلى جانب ذلك، أرسلت موسكو 2000 مستشار عسكري لتعزيز الروح المعنوية للجيش العراقي،[13] وضغطت على كوريا الشمالية والدول الشيوعية الأخرى لمنعها من بيع السلاح لإيران.[14]

بعد تولي غورباتشوف السلطة في عام 1985م، والذي اتبع سياسة خفض التوتر والتقارب بين الكتلتين الغربية والشرقية، بدأ المجاهدون الإيرانيون عملية بدر. خلال هذه المرحلة، سعى الاتحاد السوفيتي لإنهاء الحرب.[15] لكن موسكو كانت تنظر إلى هذه الحرب كورقة ضغط على كل من أمريكا وإيران لانتزاع تنازلات في قضية أفغانستان التي كانت تحتلها، ولذلك لم تكن ترغب في إنهاء الصراع قبل حل أزمة أفغانستان. وفي صيف 1987م، ومع ميل العراق نحو تعزيز علاقاته بالولايات المتحدة، شاب العلاقات بين بغداد وموسكو نوع من الفتور، ما دفع الاتحاد السوفيتي إلى التقارب مع إيران.[16] في ذلك الوقت، عارض الاتحاد السوفيتي قرار حظر الأسلحة على إيران في مجلس الأمن. إن تلكؤ الروس في تبني قرار حظر السلاح على إيران دفع الولايات المتحدة، التي كانت ترغب في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، إلى إعلان استعدادها لتوقيع المسودة الأولية لمؤتمر جنيف بشأن أفغانستان، الذي كان يصب في مصلحة الاتحاد السوفيتي. وفي المقابل، أعلنت موسكو أنها لن تعيق بعد الآن تبني أي قرار يتوافق مع رأي أغلبية أعضاء مجلس الأمن.[17]

تفيد التقارير بأن ضعف وضع إيران التكتيكي في جبهات القتال، مقترناً بالتوافق الصريح بين القوتين العظميين على ضرورة إنهاء الحرب المفروضة، والمتمثل في حادث هجوم سفينة فينسينس على الطائرة المدنية الإيرانية في 3 يوليو 1988م، وما تبعه من صمت روسي مُطبق، دفع طهران إلى استنتاج حتمي بأن استدامة القتال لم يعد يخدم مصالحها. وعليه، أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبولها بالقرار 598 بتاريخ 17 يوليو 1988م.[18] وخلال الصراع، غطى الاتحاد السوفيتي ما يقرب من 61% من مجمل احتياجات العراق التسليحية. شملت هذه المساعدات: 400 دبابة تي-55، و250 دبابة تي-12، ونماذج حديثة من دبابات تي-72، وناقلات جنود مدرعة من طراز بي إم بي-10، ومجموعة من المقاتلات الجوية من طرازات ميغ 21، 23، 25، 27، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي متوسطة العلو مع فنيين روس، و4 طائرات تزويد بالوقود من طراز توبوليف-72.[19]

وقد شهدت الفترة من 1991م حتى 2011م فترات جمود طويلة في المباحثات السياسية بين روسيا، التي خلفت الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، وإيران. ففي مستهل عقد التسعينيات، ركزت النخبة السياسية الروسية على محاولة الاندماج في الأطر السياسية الغربية، ولم تكن تنظر إلى إيران بوصفها شريكاً مناسباً، بل كانت تعتبرها مصدر قلق وتهديد لنفوذها ومصالحها في إقليمي آسيا الوسطى والقوقاز.[20]

تحولت "نظرة إيران شرقاً" بعد ذلك من مقاربة تكتيكية إلى استراتيجية بعيدة المدى، متجاوزة البعد الاقتصادي والتجاري لتشمل أيضاً جوانب التعاون السياسي والدبلوماسي والأمني والدفاعي. خلال تلك الحقبة، حدث تكامل وتوافق في مصالح البلدين بشأن أزمات إقليمية معينة؛ حيث كان هناك تنسيق بين إيران وروسيا حول أزمة قره باغ، والنزاع في طاجيكستان، ودعم التحالف الشمالي في مواجهة طالبان، والتعامل مع ملف أذربيجان وأرمينيا، وملف الشيشان. في ظل هذا التوافق، رأى البلدان في بعضهما البعض فرصاً للتعاون المشترك. تستند قوة العلاقة الإيرانية الروسية إلى الموقع المتميز لكل منهما في هندسة السياسة العالمية. ورغم ذلك، يعتقد بعض المحللين أن العلاقة بين البلدين تُدار وفقاً للاعتبارات الاستراتيجية الروسية على الصعيد الدولي. بالنسبة لطهران، فإن العلاقة مع موسكو تمثل أكثر من مجرد مصدر للإمداد بالأسلحة والتكنولوجيا؛ إذ يُنظر إلى روسيا كقوة قادرة على تأسيس تكتل عالمي مناوئ للغرب، وهو هدف أساسي لإيران.[21] ومن التطورات الحديثة أن روسيا بدورها أصبحت تتطلع إلى توظيف بعض الأسلحة والمعدات العسكرية الإيرانية.

 

[1] كرمي، جهانگير، جامعه و فرهنگ روسيه، ج 1(مجتمع وثقافة روسيا، ج 1)، طهران، الهدي، 1392 ش / 2013م، ص 21.

[2] أفشار سيستاني، إيرج، نام درياي پارس و درياي مازندران و بندرها و جزيره‌هاي إيراني(اسم الخليج الفارسي وبحر مازندران والموانئ والجزر الإيرانية)، طهران، كشتيراني والفجر هشت، 1376 ش / 1997م، ص 25.

[3] مرادپيري، هادي و مجتبى شربتي، آشنايي با علوم و معارف دفاع مقدس(التعرف على علوم ومعارف الدفاع المقدس)، طهران، سمت (SAMT)، ط 7، 1392 ش / 2013م، ص 62.

[4] سوادكوهي، شاهرخ، إقدامات و نتايج عمليات نيروي دريايي ارتش جمهوري إسلامي إيران در مقابله با... (إجراءات ونتائج عمليات القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة ...)، طهران، دافوس، 1397 ش / 2018م، ص 241 و 97.

[5] ربيعي، زهرا، بررسي مواضع فرانسه در قبال جنگ تحميلي (دراسة مواقف فرنسا من الحرب المفروضة)، فصلية مطالعات دفاع مقدس نگين إيران، السنة الثامنة، ع 31، شتاء 1388 ش / 2009م، ص 74.

[6] إيزدي، نعمت‌الله، عملكرد شوروي در جنگ تحميلي (أداء الاتحاد السوفيتي في الحرب المفروضة)، طهران، اطلاعات، 1392 ش / 2013م، ص 43-42.

[7] صدا و سيماي جمهوري إسلامي إيران، معاونت سياسي، إدارة پژوهش‌هاي خبري، «قدرت هاي بزرگ و جنگ 8 ساله عراق عليه إيران» (هيئة الإذاعة والتلفزيون للجمهورية الإسلامية الإيرانية، المعاونية السياسية، إدارة البحوث الإخبارية."القوى الكبرى وحرب السنوات الثمان للعراق ضد إيران")، ص 10.

[8] سوادكوهي، شاهرخ، المصدر نفسه، ص 241 و 97.

[9] رحماني، خالد، نقش گردانندگان جنگ تحميلي عراق عليه جمهوري إسلامي إيران (دور مُديري الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، مركز پايگاه اطلاعات علمي جهاد دانشگاهي، رابط إلكتروني https://www.sid.ir/paper/897027/fa#downloadbottom

[10] إيزدي، نعمت‌الله، المصدر نفسه، ص 91 و 92.  

[11] المصدر نفسه، ص 104، وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، رقم 238 بتاريخ 23/8/1360 ش / 14 نوفمبر 1981م. 

[12] المصدر نفسه، ص 104-107.

[13] شاهقليان قهفرخي، رضا، نقش و عملكرد إتحاد جماهير شوروي در جنگ تحميلي عراق عليه إيران (دور وأداء اتحاد الجمهوريات السوفيتية في الحرب المفروضة على إيران)، فصلية جامع دفاع مقدس، السنة 2، ع 2، صيف 1396 ش / 2017م، ص 118.

[14] رحماني، خالد، المصدر نفسه، ص 6.

[15] رحمتي، مهدي، روابط إيران و شوروي در دوره جنگ إيران و عراق (با تأكيد بر مسئله أفغانستان)» (العلاقات الإيرانية السوفيتية خلال الحرب الإيرانية العراقية (مع التأكيد على قضية أفغانستان)، فصلية مطالعات دفاع مقدس، ع 34، خريف 1389 ش / 2010م، ص 88.

[16] شاهقليان قهفرخي، رضا، المصدر نفسه، ص 119.

[17] 1المصدر نفسه، ص 119.

[18] المصدر نفسه.

[19] مرادپيري، هادي و مجتبى شربتي، المصدر نفسه، ص 153.

[20]أسعدي، بهروز و سيدعلي منوري، بررسي روابط إيران و روسيه در قرن جديد؛ إتحاد إستراتژيك يا همسويي منافع (دراسة العلاقات الإيرانية الروسية في القرن الجديد؛ تحالف استراتيجي أم توافق مصالح)، فصلية رهيافت‌هاي سياسي و بين‌المللي العلمية، دورة 12، ع 4، متسلسل 66، صيف 1400 ش / 2021م، ص 193 و 194.

[21] المصدر نفسه، ص 200 و 194.