الأماكن

الأردن

بقلم: محسن شيرمحمد نقله إلى العربية: السيد محمود عربي
13 دورہ

الأردن من دول غرب آسیا العربية. قدّمت الأردن خلال الحرب المفروضة التي شنّها العراق على إيران، دعمًا كاملًا للعراق وتحوّلت إلى خطّ إمداد لوجستي لنقل وتوريد العتاد والأسلحة المتنوعة إلى العراق.

تقع المملكة الأردنية الهاشمية في غرب آسيا، وتحدّها من الشمال سوريا، ومن الشمال الشرقي العراق، ومن الشرق والجنوب المملكة العربية السعودية، ومن الغرب فلسطين. يقع خليج العقبة في الجزء الجنوبي الغربي من الأردن. تمتلك الدولة شريطاً ساحلياً يمتد لنحو 26 كيلومتراً من الحدود البحرية، وعاصمتها عَمّان. تبلغ مساحة الأردن حوالي 89,350 كيلومتراً مربعاً، ويتألف معظمها من صحارٍ جافة وقاحلة.[1] بعد الحرب العالمية الأولى وتفكيك الإمبراطورية العثمانية، خضعت الأردن للسيطرة البريطانية وحصلت على استقلالها في عام 1946، ونظام حكمها ملكي.[2]

انطلقت العلاقات الثنائية الرسمية بين إيران والأردن منذ فترة الحكم العثماني، حيث كانت إيران تحتفظ بقنصلية في المنطقة المعروفة بـ "بلاد الشام". وعقب نيل الأردن استقلاله، سارعت الحكومة الإيرانية إلى الاعتراف به. في 28 يوليو 1949م، زار الملك عبد الله الأول، عاهل الأردن وقتئذ، إيران، وتم إبرام ميثاق الصداقة بين الدولتين في 16 نوفمبر من العام ذاته في طهران. اتسمت العلاقات بين البلدين بالحسن في المرحلة التالية وحتى نجاح الثورة الإسلامية في إيران.[3]

بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، أقرّت الحكومة الأردنية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي مارس 1979م، بعث الملك حسين ببرقية تهنئة للإمام الخميني بهذه المناسبة. وفي الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للثورة (فبراير 1980م)، زار إيران وفد من كبار الشخصيات الأكاديمية الأردنية قوامه عشرة أفراد برئاسة وزير الأوقاف الأردني. وعلى الرغم من أن الحكومة الأردنية عبّرت ظاهرياً عن ارتياحها للثورة الإسلامية، لكنها كانت تخشى في الواقع من تمدد نفوذها واحتمال اتساعها.[4]

في أعقاب العدوان العراقي على إيران بتاريخ22 أيلول/سبتمبر 1980م، كان الملك حسين، ملك الأردن، أول من تفاعل مع الحدث بعد يوم واحد، أي في23 أيلول/سبتمبر 1980م، حيث أعلن دعمه الصريح لصدام.[5]

مثّل الأردن موقعًا مثاليًا لإرسال المعدات العسكرية إلى العراق، نظراً لمجاورته الجغرافية له، وامتلاكه شبكة طرق مشتركة، واحتوائه على ميناء العقبة الاستراتيجي. وبسبب توقف حركة السفن في شط العرب وإغلاق ميناء البصرة العراقي من جهة، والحاجة الماسة للعراق إلى مختلف أنواع التجهيزات الحربية من جهة أخرى، تدفقت كميات كبيرة من العتاد والأسلحة العسكرية عبر ميناء العقبة إلى العراق.[6] وبطبيعة الحال، جلب هذا التبادل التجاري مكاسب اقتصادية هائلة للأردن، حيث ازدهرت العقبة وتحولت إلى القلب التجاري للبلاد. كما شهدت شبكة الطرق الأردنية تطوراً ملحوظاً، ما أدى إلى توسع العديد من شركات النقل والمواصلات.[7]

سمح الملك حسين، عاهل الأردن، للطائرات العراقية باستخدام قاعدة"H-5"  الجوية[8] القريبة من الحدود الإيرانية لإعادة التزود بالوقود. ولقد كانت المقاتلات العراقية تخوض تدريبات جوية في الأجواء الأردنية مع مقاتلات أردنية من طراز "إف-5"، كونها مماثلة للطائرات التي يستخدمها الجيش الإيراني. كما سُمح للعراق بفحص صواريخ الدفاع الجوي "هوك" الأردنية التي كانت تُشابه الصواريخ التي تستخدمها إيران. وعندما تسلم العراق أولى طائرات "ميراج إف-1" من فرنسا، وضعت الأردن جزءاً من أسطولها من هذه المقاتلات تحت تصرّف العراق. وقد شاركت 10 طائرات منها، وهي تحمل ألوان وشعارات الطائرات العراقية، في الحرب ضد إيران، وقام 15 طياراً أردنياً بقيادة طائرات "ميراج" العراقية في القتال.[9]

في كانون الأول/ديسمبر 1980م، اتهم الرئيس السوري حافظ الأسد الأردن بدعم جماعة "الإخوان المسلمين" الأصولية بهدف الإطاحة بالحكومة السورية. وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين إلى درجة المواجهة المسلحة نتيجة الحشود العسكرية على الحدود المشتركة. وكانت العلاقات الودية الإيرانية-السورية، وتدهور العلاقات الأردنية-السورية، وانحياز الأردن إلى جانب العراق في الحرب المفروضة، من ضمن العوامل[10] التي أدت إلى قطع العلاقات بين إيران والأردن في آذار/مارس 1981م.[11]

إثر نجاح عملية "طريق القدس" في شهر ديسمبر 1981م وتحرير الأراضي الإيرانية المحتلة، دعا ملك الأردن، الملك حسين، مواطني بلاده إلى التسجيل للانضمام إلى القتال ضد إيران بموازاة الجيش العراقي.[12] ولهذه الغاية، أُنشئ تشكيل يُعرف باسم "لواء اليرموك" للإشراف على إرسال المتطوعين الأردنيين إلى مناطق القتال، وتبع ذلك إرسال قوات نظامية من الجيش الأردني إلى العراق.[13] غادرت أولى وحدات القوات الأردنية إلى ميادين المعركة العراقية ضد إيران في 2 آذار/مارس 1982م.[14] وقد وقعت 6 عناصر من هذه القوات في الأسر الإيراني، وتم الإفراج عنهم بعد انتهاء الحرب.[15] وسجّل الملك حسين مشاركته الشخصية في الحرب لِمرة واحدة، عندما أطلق النار بمدفع عيار 130 ملم باتجاه إيران، وذلك إلى جانب صدام حسين على الجبهة الشمالية[16].

قدّم الأردن أيضاً الدعم للعراق من خلال توفير بيئة آمنة للتبادلات والتعاون الأمني/الاستخباراتي. ونظراً لتقارب العلاقات بين العراق والأردن طوال سنوات الصراع الثماني المفروض، تمكّنت بغداد، عبر عمّان، من الحصول على معلومات استخباراتية عسكرية بالغة الأهمية كانت تُجمع بواسطة أجهزة الاستخبارات الغربية مثل وكالة المخابرات المركزية حول المنطقة وإيران. على سبيل المثال، التقى مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام كيسي، برئيس جهاز المخابرات العراقية، برزان، خلال زيارته للأردن عام 1982م.[17] وبسبب ضعف الأجهزة الاستخباراتية العربية الأخرى وانعدام ثقة العراق بها، إلى جانب متانة العلاقات مع الأردن، أصبح جهاز المخابرات الأردني الشريك الاستخباراتي الأبرز للعراق.[18] كانت الأردن محدودة الموارد، ولم يكن الملك حسين قادراً على تقديم مساندة مالية كبيرة للعراق، لكنه قدّم دعماً دبلوماسياً لا حدود له. وحيث أن الولايات المتحدة لم تكن تربطها علاقات مباشرة مع العراق، اضطلع الملك حسين بدور الوسيط في إدارة العلاقات بين واشنطن وبغداد.[19]

على الصعيد الدولي أيضاً، سعى الأردن إلى التأثير في المحافل الدولية المختلفة من أجل إظهار صورة مسالمة للعراق وتقديم إيران كتهديد للسلام والاستقرار الدوليين. والمثال الأبرز على دور الأردن، بصفته الرئيس الدوري لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هو تبني القرارات 514 و 522 و 540، وممارسة الضغط على إيران لقبول القرار 598.[20] بعد انتهاء الحرب المفروضة، استأنف الأردن علاقاته مع إيران مجدداً. لم تتغير علاقات الأردن مع إيران تغييراً ملحوظاً بعد وفاة الملك حسين في فبراير 1999م. كانت العلاقات بين عمّان وطهران في السنوات التي تلت الحرب المفروضة نتيجة لظاهرتين متناقضتين: أولاهما اهتمام المسؤولين الأردنيين بتوسيع العلاقات مع طهران، وثانيتهما إصرار الولايات المتحدة على إبعاد الأردن بنفسه عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد سعى المسؤولون الأردنيون باستمرار إلى مراعاة كلا التوجهين.[21]

 

 

[1] شیرمحمد، محسن، سربازی در کشور اردن (الخدمة العسكرية في دولة الأردن)، مجلة "سرباز"، العدد 294، دي 1400ش/ يناير 2022، ص 42.

[2] المصدر نفسه، ص 42.

[3] ارزیابی مناسبات ایران و اردن(تقييم العلاقات الإيرانية الأردنية)، موسسه مطالعات و پژوهش‌های سیاسی (معهد الدراسات والبحوث السياسية)، 4 تير 1400 ش / 25 يونيو 2021م، www.psri.ir.

[4] المصدر نفسه.

[5] رازو، پير (Rau, Pierre)، جنگ إيران و عراق (حرب إيران والعراق)، ترجمه: عبدالحميد حيدري وعلي أحمدي، طهران، مرز وبوم، 1397 ش / 2018م، ص 204.

[6] كوشكي، محمدصادق وسيد مرتضى عريضي ميبدي، «بررسي سازوكار اقدامات نظامي، إطلاعاتي و سياسي دولت أردن در پشتيباني از رژيم صدام طي جنگ هشت‌ساله عليه إيران» (دراسة آلية الإجراءات العسكرية والاستخباراتية والسياسية للحكومة الأردنية في دعم نظام صدام خلال الحرب المفروضة على إيران)، فصلية مطالعات دفاع مقدس العلمية، ع 22، صيف 1399 ش / 2020م، ص 84.

[7] رازاو، بيير، المصدر نفسه، ص 205.

[8] المصدر نفسه، ص 204.

[9] المصدر نفسه، ص 205.

[10] محمدپور، محمد، «مواضع و حمايت‌هاي سياسي أردن از عراق در جنگ تحميلي» (مواقف ودعم الأردن السياسي للعراق في الحرب المفروضة)، نصف سنوية مطالعات انقلاب إسلامي و دفاع مقدس، ع 2، خريف وشتاء 1396 ش / 2017م، ص 122.

[11]لطف‌الله‌زادگان، علي‌رضا، روزشمار جنگ إيران و عراق، كتاب بيستم: عبور از مرز (يوميات حرب إيران والعراق، الكتاب العشرون: العبور من الحدود)، طهران، مركز مطالعات و تحقيقات جنگ سپاه پاسداران (مركز دراسات وبحوث الحرب التابع للحرس الثوري)، 1381 ش / 2002م، ص 297.

[12] علائي، حسين، روند جنگ إيران و عراق، ج 1 (مسار حرب إيران والعراق)، طهران، مرز وبوم، 1391 ش / 2012م، ص 400.

[13]كوشكي، محمد صادق والسيد مرتضى عريضي ميبدي، المصدر نفسه، ص 86.

[14] کدام کشور عربی اولین حامی عراق در جنگ با ایران بود (أي دولة عربية كانت الداعم الأول للعراق في حربه ضد إيران)، وكالة تسنيم للأنباء، 15 تير 1393ش/ 6 يوليو 2014م، WWW.TASNIMNEWS.COM/FA/NEWS/1393/04/15/423246.

[15] آقائي جيرنده، عباس وفاطمه رستمي، پا به پاي آزادگان (خطوة بخطوة مع الأسرى المحررين)، طهران، مركز أسناد انقلاب إسلامي (مركز وثائق الثورة الإسلامية)، 1386 ش / 2007م، ص 105 و 106.

[16] ملك حسين شاه اردن با توپ 130 به‌ سوی ايران شليك كرد (الملك حسين ملك الأردن أطلق مدفع عيار 130 ملم باتجاه إيران)، وكالة فارس للأنباء، 5 مهر 1387 ش / 26 سبتمبر 2008م، WWW.FARSNEWS.IR/NEWS/8707050769.

[17] كوشكي، محمد صادق والسيد مرتضى عريضي ميبدي، المصدر نفسه، ص 82.

[18] نفسه، ص 83.

[19] رازاو، بيير، المصدر نفسه، ص 204.

[20] محمدبور، محمد، المصدر نفسه، ص 144.

[21] ارزیابی مناسبات ایران و اردن (تقييم العلاقات بين إيران والأردن)، مؤسسة مطالعات و پژوهش‌های سیاسی (مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية)، 4 تير 1400ش/25 يونيو 2021م، WWW.PSRI.IR.