الأماكن

ميناء ماهشهر

بقلم: مريم لطيفي نقله إلى العربية: سيد محمود عربي
7 دورہ

ميناء ماهشهر التصديري، الواقع في جنوب غرب محافظة خوزستان وأقصى الشمال الشرقي لخور موسى، لعب دوراً فاعلاً وحيوياً خلال الحرب المفروضة التي شنها العراق على إيران، وذلك في تأمين الوقود الداخلي للبلاد واستيراد المنتجات الضرورية لها.

تنقسم ميناء ماهشهر إلى منطقتين: القديمة والحديثة، والمسافة بينهما نحو 3 كيلومترات. يتركز السكان بشكل أساسي في المنطقة القديمة، ذات البنية التحتية الأقدم، والتي تضم الدوائر الحكومية. يشتغل معظم السكان بالزراعة، وصيد الأسماك، والصناعات اليدوية. غالبية السكان من المذهب الشيعي ويتحدثون اللغتين الفارسية والعربية. تتمتع ماهشهر بمناخ حار ورطب، وبسبب تربتها المالحة والقلوية، فإن غطاءها النباتي ضعيف، وتنتشر فيها أشجار الكنار والگز بشكل متفرق. وفقاً للإحصاء العام للسكان والمساكن لعام 2016م، يبلغ عدد سكان مقاطعة بندر ماهشهر 296,271 نسمة.[1]

يعود التاريخ القديم لميناء ماهشهر، الذي عُرف بـ "ماجول" و"معشور"، إلى أواخر القرن السابع الهجري.[2] لم يكن لهذا الميناء أهمية كبيرة حتى أواخر فترة حكم القاجار؛ إذ كان مجرد ميناء صغير تستخدمه السفن المحلية لنقل البضائع المستوردة والمصدرة للقبائل العربية المجاورة. شهد ميناء معشور ازدهاراً مع إنشاء السكك الحديدية الوطنية الشاملة وتأسيس وتطوير ميناء "شاهبور" (ميناء الإمام حالياً). بعد فترة وجيزة، لفت الميناء الأنظار لأهميته في تصدير النفط الخام، وتطور تدريجياً بفضل مد خطوط أنابيب النفط وإنشاء خزانات التخزين النفطية. كانت الأنابيب تنقل النفط من آغاجاري إلى مصفاة آبادان، ومنها إلى معشور.[3]

أول رصيف نفطي بحري أنشأته شركة النفط الإيرانية البريطانية في ميناء معشور كان رصيف "خور غزالة". توسع الميناء بعد ذلك وجُهّز لشحن السفن الكبيرة.[4] بدأ تصدير النفط الخام من هذا الميناء في عام 1945م.[5]

في عام 1954م، وُقّع عقد الكونسورتيوم النفطي بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وثماني شركات نفطية كبرى. خلال تنفيذ هذا العقد، تم تنفيذ مشروع "چَم" بين عامي 1963م و 1967م بهدف تطوير الشركات العاملة في قطاع النفط الإيراني.[6]

بتنفيذ مشروع "چَم" بدءاً من عام 1967م، تحول تصدير النفط الخام من منطقة العقد ليتم عبر جزيرة خارك إلى الأسواق العالمية من الخليج الفارسي. خُصص ميناء معشور بعد ذلك لتصدير المشتقات النفطية من مصفاة آبادان، والتي شملت: البنزين، بنزين السوبر، الكيروسين، بنزين الطائرات، زيت الغاز، الغاز المسال، النفتا الخفيفة والثقيلة، البارافين، الأحماض، الزيوت، القار (الزفت)، وزيت الوقود (المازوت).

نتيجة لهذا المشروع، أُضيفت 32 محطة تخزين إلى محطة التخزين الساحلية، وتوسع المرفأ ليصبح قادراً على استقبال السفن الثقيلة وناقلات النفط العملاقة التي تصل سعتها إلى 50 ألف طن، كما أُنشئت مصفاة للغاز الطبيعي في الميناء.[7] وفي عام 1965م، وافق مجلس الوزراء على تغيير اسم الميناء من "معشور" إلى "ماهشهر".[8]

مع اندلاع الحرب المفروضة وإغلاق مصفاة آبادان في الأيام الأولى، توقف ميناء ماهشهر عن العمل في مجال التصدير، حيث كان مركزاً لتصدير المشتقات النفطية من المصفاة.[9] بسبب تعطّل مصفاة آبادان، وعلى الرغم من إنتاج المشتقات في مصافٍ أخرى، أصبحت البلاد بحاجة لاستيراد المنتجات النفطية لتأمين احتياجاتها الداخلية. ولهذا، تحوّل ميناء ماهشهر إلى منفذ لاستيراد هذه المشتقات، حيث كان جزء من الاستيراد يتم عبر الرصيف العائم (SPM) في منطقة بهرغان النفطية وصولاً إلى خط أنابيب ماهشهر. طوال فترة الحرب المفروضة، عمل ميناء ماهشهر على تأمين الوقود المحلي واستيراد المنتجات الضرورية نتيجة للظروف الطارئة.[10]

كان الهدف الرئيسي للعراق لشل حركة الميناء يتمثل في مهاجمة السفن العابرة في خور موسى وقصف منشآت الميناء. في 17 أكتوبر 1980م، تعرض ميناء ماهشهر لهجوم جوي للعدو، مما أسفر عن إلحاق أضرار بمنشآت الميناء ومستودعات الوقود.[11] وفي 9 مايو 1982م، استُهدفت 6 سفن تجارية تحمل مواد غذائية ومعدات عسكرية كانت متجهة إلى ماهشهر لتفريغ حمولتها، وذلك بصواريخ أطلقتها الطائرات العراقية.[12] وفي 9 أغسطس 1982م، أُصيبت السفينتان "ليستون برايد" واليونانية "بينوسامبو" (المستأجرة من قبل كوريا الجنوبية) بصواريخ من مروحية بعد تفريغ حمولتهما في الميناء، مما أدى إلى إغراق السفينة "ليستون برايد".[13] كما غرقت سفينة تركية في 4 سبتمبر 1982م بعد تعرضها لهجوم عراقي وهي في طريقها إلى ماهشهر.[14]

للحد من هجمات العدو، تقرر بدءاً من عام 1983م، تنظيم حركة السفن بين بندر بوشهر وبندر الإمام الخميني وماهشهر (والعكس) في قوافل بحراسة عسكرية، وذلك بمرافقة جوية من مقاتلات الجيش، ومروحيات الطيران البحري وشركة النفط، وزوارق البحرية الحربية، وقوارب الحرس الثوري السريعة المسلحة، وقوارب القطر، إلى جانب المعدات اللازمة لـ تأمين عبور السفن، وكانت الرحلات تُنظم كل عشرة إلى عشرين يوماً حسب عدد السفن.[15] على الرغم من ذلك، كان العراق يتلقى معلومات استخباراتية حول مواعيد تحرك القوافل ويشن هجماته. كما أن نظام الدفاع الجوي المخصص لحماية القوافل لم يكن فعالاً جداً، فغالباً ما أُصيبت عدة سفن من القافلة بصواريخ عراقية.[16] ومن هذه الهجمات، الهجوم الذي شنه العراق في 12 سبتمبر 1983م على قافلة من أربعين سفينة كانت متجهة إلى ماهشهر.[17]

استمر القصف الجوي العراقي لمنشآت ميناء ماهشهر حتى نهاية الحرب؛ ففي 17 مارس 1988م، أدى هجوم جوي على الميناء إلى إلحاق أضرار برصيف مجيدية، والميناء، وناقلات الوقود، والبنزين، والديزل، وأنابيب الغاز.[18]

كان لميناء ماهشهر أيضاً نشاط في دعم الجبهات؛ فخلال حصار آبادان، كان الوقود يُرسل إلى چويبده من ماهشهر عبر سفن مسطحة تسمى (دوبه) مربوطة باللنجات.[19] كما لعب الميناء دور قاعدة إمداد لوجستي خلال عملية "والفجر 8".[20]

بعد نهاية الحرب واستعادة الأمن في خور موسى وإعادة ترميم وفتح مصفاة آبادان، استأنف الميناء تصدير المشتقات النفطية. وفي عام 2006م، بدأت خطة شاملة لتطوير ميناء ماهشهر التصديري، شملت تحديث المنشآت والمعدات في قسميه البري والبحري. وقد وصل هذا المشروع، الذي بدأ عام 2007م، إلى 80% من إنجازه بحلول عام 2019م. وخلال عامي 2019م و 2020م، تضاعفت أهم أجزاء المشروع، وهي قدرة النقل ورسو السفن في المحطة، مما زاد القدرة الإجمالية لنقل المشتقات في المحطة التصديرية لماهشهر ثلاثة أضعاف.[21]

يُعدّ الميناء حالياً بـ 90 خزاناً، و 8 أرصفة لشحن المنتجات النفطية والبضائع، و 11 محطة ضخ عاملة، و 5 أفران، ونقل أكثر من 10 أنواع من المشتقات النفطية، من أكبر موانئ تصدير المشتقات النفطية في العالم، وهو قادر على استقبال سفن المنتجات التي تتراوح سعتها بين 30 و 100 ألف طن. إضافة إلى ذلك، فإن منشآت الميناء، إلى جانب نقل المشتقات إلى الموانئ المحلية والخارجية، تتولى مهمة تأمين مواد التغذية لوحدات الأروماتيك التابعة لشركة بتروكيماويات بندر الإمام.[22]

في عام 2022م، نُشر المجلد الأول من كتاب مذكرات شهداء بندر ماهشهر، تأليف عادل شيرالي وزوجته نرجس شاه محمدي. ويستند هذا الكتاب إلى مذكرات الشهيد العميد محمود رئيس قنواتي، قائد كتيبة شهداء ماهشهر.[23]

 

 

[1]موقع بلدية بندر ماهشهر، https://mahshahr.ir/.

[2] قیم، بهادر، تاریخ هشتاد ساله بندر امام (تاريخ ميناء الإمام الخميني على مدى ثمانين عاماً)، أصفهان: همای رحمت، 1388ش/2009م، ص 133، 149، 66.

[3] دانشنامۀ جهان اسلام (موسوعة العالم الإسلامي)، ج 4، طهران: مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية، 1377 (1998م)، مدخل “بندر ماهشهر”.

[4] قیم، بهادر، مراکز اقتصادی خوزستان در جنگ (المراكز الاقتصادية للخوزستان في الحرب)، طهران: مرکز اسناد و تحقیقات دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامی (مركز الوثائق وأبحاث الدفاع المقدس للحرس الثوري الإسلامي)، 1397ش /2018م، ص 90.

[5] دانشنامۀ جهان اسلام (موسوعة العالم الإسلامي)، المصدر نفسه.

[6] لعبت¬فر، احمد، اجرای طرح چم و تأثیرات آن در صنعت نفت ایران، پژوهشنامه تاریخ اجتماعی و اقتصادی (تنفيذ مشروع چم وتأثيراته في صناعة النفط الإيرانية)، پژوهشنامه تاریخ اجتماعی و اقتصادی (مجلة تاريخية للبحوث الاجتماعية والاقتصادية)، العدد الثاني، خريف وشتاء 1398ش/2019م، ص 241، 242، 249.

[7] قیم، بهادر، المصدر نفسه، ص 93-90، 94.

[8] دانشنامۀ جهان اسلام (موسوعة العالم الإسلامي)، المصدر نفسه.

[9] دانشنامۀ جهان اسلام (موسوعة العالم الإسلامي)، ج 5، طهران: مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية، 1379 (2000م)، مدخل پالایشگاه نفت آبادان (مدخل “مصفاة نفط آبادان).

[10] أنصاري، مهدي و محمود يزدانفام، جنگ محدود ایران و آمریکا در خلیج فارس (الحرب المحدودة بين إيران والولايات المتحدة في الخليج الفارسي)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الوثائق وأبحاث الدفاع المقدس للحرس الثوري الإسلامي)، 1387ش/2008م، ص 410؛ لطف‌الله‌زادگان، عليرضا، عمليات والفجر 1، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الوثائق وأبحاث الدفاع المقدس للحرس الثوري الإسلامي)، 1394ش/ 2015م، ص 284، 746.

[11] أنصاري، مهدي و حسين يكتا، هجوم سراسری (الهجوم الشامل)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، ط2، 1375ش /1996م، ص 455.

[12] لطف‌الله‌زادگان، عليرضا، المصدر نفسه، ص 284.

[13] لطف‌الله‌زادگان، علیرضا، عبور از مرز- تعقیب متجاوز با عملیات رمضان (عبور الحدود - تعقب المعتدي بعملية رمضان)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، 1381ش/2002م، ص 575.

[14] لطف‌الله‌زادگان، علیرضا، عملیات مسلم بن عقیل- آزادی ارتفاعات سومار و تهدید مندلی ... (عملية مسلم بن عقيل - تحرير مرتفعات سومار وتهديد مندلي…)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، 1391ش/2012م، ص

[15] لطف‌الله‌زادگان، علیرضا و ایرج همتی، نخستین عملیات بزرگ در شمال غرب- والفجر 4 (أول عملية كبرى في الشمال الغربي - والفجر 4)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، 1397ش /2018م، ص 39 و 40.

[16] نعمتی، یعقوب و آخرون، آماده¬سازی عملیات والفجر4 - تجهیز عراق به جنگنده¬های سوپراتاندارد ... (التحضير لعملية والفجر 4 - تسليح العراق بمقاتلات سوبر اتانتدارد…)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، 1394ش 2015م، ص 426.

[17] هاشمی، مهدی (بإشراف)، آرامش و چالش - کارنامه و خاطرات هاشمی رفسنجانی سال 1362(الهدوء والتحدي - سجل وذكريات هاشمي رفسنجاني عام 1362)، طهران: دفتر نشر معارف انقلاب (مكتب نشر معارف الثورة)، 1381ش/2002م، ص 268؛ نعمتی، یعقوب و آخرون، المصدر نفسه، ص 426.

[18] ایزدی، یدالله، عملیات والفجر 10(عملية والفجر 10)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي)، 1392ش/2013م، ص 186.

[19] قیم، بهادر، مراکز اقتصادی خوزستان در جنگ (المراكز الاقتصادية للخوزستان في الحرب)، ص 392.

[20] أنصاري، مهدی و حمیدرضا فراهانی، تشدید تلاش¬ها برای فتح فاو (تكثيف الجهود لفتح الفاو)، طهران: مركز اسناد دفاع مقدس سپاه پاسداران انقلاب اسلامي (مركز الدراسات وأبحاث الحرب للحرس الثوري الإسلامي، 1395ش /2016م، ص 676.

[21] HTTPS://WWW.TASNIMNEWS.COM/FA/NEWS/1400/04/18/2535220 ؛ صحيفة رسالت، العدد 6238، 17/6/1386 (2007م)، ص 6؛ صحيفة إيران، العدد 4366، 27/8/1388 (2009م)، ص 19.

[22] موقع شركة مصفاة نفط آبادان، HTTPS://WWW.ABADAN-REF.IR/FA/CONTENT.

[23] موقع وكالة كتاب إيران، رمز المادة: 322443.